المختصر، لما تقدم، ولسبب آخر مهم جدا وهو استخدام بعض الأئمة للمنهجين جميعا، إما في كتب مختلفة، أو ربما في كتاب واحد، وبعضهم ربما نَظَّر شيئا وطبق غيره، فالحاكم -مثلا- له كلام في غاية القوة والصرامة في كتابه «علوم الحديث»، لكنه في «المستدرك» على النقيض من ذلك، تسامح جدا، ولم يعبأ بمخالفة الثقة ونحوه لغيره، وضده الخطيب البغدادي، مال في كتابه «الكفاية» -كما تقدم آنفا- إلى منهج الأصوليين والفقهاء، لكنه في كتبه التطبيقية مثل «تمييز المزيد في متصل الأسانيد»، و «الفصل للوصل المدرج في النقل» سلك منهج كبار أئمة النقد.
ومثل هذا يقال في ابن حجر، فإنه قرر أشياء كثيرة في كتابه «النكت على كتاب ابن الصلاح» على طريقة أئمة النقد، وكذا في بعض كتبه التطبيقية، مثل كتابه الذي لخص به كتاب الخطيب الآنف الذكر في الإدراج, وكتابه في الحديث المعلل:«الزهر المطلول في الخبر المعلول»، كما يشير إلى ذلك عزوه للكتابين، وفي كثير من تقريراته في كتبه الكبيرة كـ «فتح الباري»، و «التلخيص الحبير»، لكنه أيضا في كثير من تخاريجه وأحكامه على الأحاديث ينهج منهج النظر إلى الإسناد المفرد.
وهذا التذبذب بين المنهجين مرده إلى الطريقة التي دونت بها بعض قواعد المحدثين، وذلك بالتأثر بما كتبه الأصوليون والمتكلمون، إذ كان التأليف في أصول الفقه هو السابق، فالقارئ في بعض كتب المصطلح يرى أشياء متناقضة، فهو في (تعارض الوصل والإرسال)، و (تعارض الرفع والوقف)، و (زيادات الثقات)، يرى خليطا من الأقوال، وقد يُرجَّح له قول من يحكم للزائد في هذه الموضوعات، ثم في قضايا أخرى لا يمكن تقريرها وشرحها إلا على منهج واحد