تعرض أحد الباحثين لهذين الوجهين عن سفيان بن عيينة، وذكر أنهما محفوظان عن ابن عيينة، لثقة رواتهما.
ولا إشكال في ذلك، وهو كاف في ترجيح حفظهما عن ابن عيينة، لكن الباحث قال بعد ذلك:«ولا يعكر على ما ذكرت قول سفيان في رواية الحميدي: ولم أسمعه من الزهري، إذ يمكن حمل ذلك على تعدد السماع، وأنه سمع الحديث في أول الأمر عن الزهري بواسطة، ثم سمعه منه مباشرة ... ».
كذا قال الباحث، انتقل من الحديث عن المحفوظ عن ابن عيينة، إلى المحفوظ بعده، وليس هذا موضع الشاهد هنا، فإن الاستعانة بصفة الأوجه بعد المدار في النظر في الاختلاف عليه أمر متقرر، وإنما الشاهد هنا أن الباحث لم يتمعن جيدا فيما قال عن سماع ابن عيينة لهذا الحديث من الزهري، فأبعد النجعة جدا، فسفيان حين قال للحميدي ومن معه إنه لم يسمعه من الزهري كان ذلك بعد وفاة الزهري بدهر طويل، فلا يمكن أن يكون سمعه منه مباشرة مرة أخرى، فالمحفوظ من روايتيه إذن ذكر واسطة بينه وبين الزهري، والأخرى مدلسة، ارتكب فيها سفيان التدليس بلا شك.
وإذا فرغ الباحث من النظر في المدار وما ورد عنه، وصفه روايتيه، انتقل إلى جانب آخر يساعد في معرفة الراجح من روايتي المدار، فينتقل إلى الطرق الأخرى خارج المدار، فينظر إن كان هناك من شارك المدار في الرواية عن شيخه لهذا الحديث، فإن وجد أحدا شارك المدار تأمل في روايته هل رواه على الوجهين؟ أو على أحد الوجهين؟ أو أتى بوجه جديد؟ وهكذا في الطبقة التي تليها، حتى