فالراوي إذا روى الحديث -مثلا- عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، ورواه راو آخر عن مالك، عن نافع، عن أبي هريرة، أو غيره ممن لم يشتهر نافع بالرواية عنه، أو اشتهر لكن دون شهرة الأول يقول أئمة النقد إن الأول سلك الجادة، وأخذ طريقا معروفا تسبق إليه الأذهان، فروايته حينئذ مرجوحة، والثاني سلك طريقا غير معروفة كالأولى ويعسر حفظها وتذكرها، فروايته راجحة.
وكذلك لو رواه الثاني عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، مرفوعا، أو موقوفا، يقال عنه إنه ترك الجادة، لأن ابن عمر أكثر روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو الذي يسبق إلى الذهن، وهكذا لو أرسله فرواه عن مالك، عن نافع، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عن نافع، عن تابعي آخر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلى غير ذلك من الصور التي لا تنتهي.
وتتفاوت درجة الركون إلى هذه القرينة بحسب شهرة الجادة المسلوكة، وبحسب وعورة الطريق الأخرى، فالطريق الأخرى -مثلا- قد تكون شديدة الوعورة، فيها طول، وفيها رواة غير مشهورين، أو غير مشهورين برواية بعضهم عن بعض، وتكون أيضا مشهورة، ولكن دون شهرة الجادة المعروفة، وأبعد منها عن الذهن، فلو روى راو عن قتادة، عن أنس، سميت هذه جادة، فإذا روى الحديث نفسه راو آخر عن قتادة، عن الحسن البصري مرسلا، يقال عن روايته هذه إنه ترك الجادة، وروايته راجحة، وإن كان هذا الطريق معروفا، قد روي به أحاديث، لكن الأول أسهل منه، وأسبق إلى الذهن، وفيه صحابي، والصحابة