وما ذاك إلا لأن الاحتكام إنما هو إلى قرائن وقواعد في هذا العلم، وهي مجال واسع للاجتهاد والنظر.
وكنت دائما أنبه إلى أن الدخول في علم العلل ومقارنة المرويات هو في الحقيقة دخول لمدرسة شاملة للتدرب والتمكن من قواعد البحث العلمي بصفة عامة، أساتذتها هؤلاء النقاد الأجلاء.
وفي مسألة (كلام النقاد في الاختلاف) عدد من الأمور يحسن التنبيه عليها:
الأمر الأول: كلام النقاد قد يكون صريحا في الاختلاف الذي ينظر فيه الباحث، بأن يذكر الناقد الاختلاف، وينص على الراجح أو يشير إليه، وهذا لا إشكال فيه.
وقد يكون كلام الناقد بمعزل عن سوق الاختلاف، والترجيح فيه، غير أن كلامه له صلة بأحد الأوجه، أو بأحد رواته، وذلك كأن يقول الناقد إن هذا الحديث لا يعرف من حديث فلان، أو يقول إن فلانا أخطأ في حديث يرويه عن شيخه، ونحو ذلك، فهذا كله يحسن بالباحث أن يتتبعه، وأن ينظمه في سلك أقوال النقاد في الحديث الذي ينظر فيه، وقد يكون الباحث أصلا لم يقف على كلام صريح في الاختلاف، فهذا يعينه في الترجيح إذن.
مثال ذلك أن وهب بن جرير روى عن شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن ابن عباس، قصة صلاته - صلى الله عليه وسلم - على قبر (١).
(١) «صحيح مسلم» حديث (٩٥٤)، و «صحيح ابن حبان» حديث (٣٠٨٩ - ٣٠٩٠)، و «حلية الأولياء» ٧: ١٩٣، و «سنن البيهقي» ٤: ٤٦.