وغلط الباحثين في هذه القضية من المسائل الدقيقة في نقد الأسانيد, فالباحث يخطئ إذا جعل ما في الإسناد من نقص بعد المدار دليلا على رجحان الوجه المقابل, وليس في هذا النقص دليل على غلط راوي هذا الوجه, أو فسر بهذا كلام إمام من أئمة النقد, كأن يقول بعد نقله عن الإمام ترجيحه للوجه المقابل: وإنما فعل هذا لكون هذا الوجه منقطعا, أو فيه فلان وهو ضعيف, ونحو ذلك, مما لا يدخل في قرائن الترجيح، وهو أيضا يرتكب جناية على المدار المختلف عليه، أو على من فوقه, فينسب إليه تدليسا, أو إرسالا, أو رواية عن الضعفاء, وهو لم يفعل ذلك, إذ هذا الوجه لم يصح إليه أصلا، كما يرتكب جناية في حق الناقد حين فسر كلامه بما لا يحتمله ولا يريده الناقد، وقد تقدم زيادة تفصيل لهذا في نهاية المبحث الثالث من الفصل الثاني من هذا الباب.
وبكل حال فنقد الوجه المرجوح بالمدار ومن فوقه ينبغي للباحث أن يتأنى فيه، فلا يعرج عليه مع ظهور الضعف للوجه عن المدار، وتضمن النقد لأمر فيه غمز لأحد رواة الإسناد، كرميه بالتدليس، أو الاختلاط، وتحميله بذلك عهدة ضعف الإسناد.
وفي نقد الوجه المرجوح بهذه الطريقة تظهر إحدى العواقب الوخيمة لترك منهج النقاد في المقارنة والموازنة حين الاختلاف، فمن لا يسير على منهجهم يتعلق براو والإسناد لم يصح إليه أصلا، من جهة كونه معلولا بالمخالفة، فيجمع بين الضعف في النقد، وبين تحميل الرواة أخطاء غيرهم.
مثال ذلك أن أحد النقاد ذكر الاختلاف على قتادة، عن قدامة بن وبرة، عن