وتعليل تفاوت أصحاب الرواة في مراتبهم ظاهر، فبالإضافة إلى استعدادهم الفطري، وما منحه الله لكل منهم من قوة حافظة، أو ضعفها، وما هم عليه من التزام بأصول الرواية أو عدمه، هناك أحوال تحيط بسماعهم وأخذهم من شيوخهم، لها أثر كبير في تصنيفهم ورتبهم في الشيخ، فالراوي قد يلازم شيخه فترة طويلة، لكونه من أهل بلده، وأدرك من حياته مدة منحته طول الملازمة، وقد يزيد على ذلك، بأن يلازم شيخه في حضره وسفره.
وعكس ذلك أن تقل مدة مصاحبته لشيخه، كأن يدرك من حياته جزءا يسيرا، أو لا يكون من أهل بلده، فيلقاه عرضا، وربما صاحب ذلك انشغال الشيخ، أو مرضه، أو كونه عسرا في الرواية، ونحو ذلك.
وبعض الرواة لم يلق من روى عنه إلا في حال كبره، أعني التلميذ، والحافظة في حال الكبر دونها في حال الصغر.
وفي هذا المعنى كلام الجوزجاني في أصحاب الزهري، موضحا درجاتهم فيه، وأسباب ذلك، قال ابن رجب: «وسئل الجوزجاني: من أثبت في الزهري؟ قال: مالك من أثبت الناس فيه، وكذلك أبو أويس، وكان سماعهما من الزهري قريبا من السواء إذ كانا يختلفان إليه جميعا، ومعمر، إلا أنه يهم في أحاديث، ويختلف الثقات من أصحاب الزهري، فإذا صحت الرواية عن الزبيدي فهو من أثبت الناس فيه، وكذلك شعيب، وعقيل، ويونس بعدهم، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والليث بن سعد، فأما الأوزاعي فربما يهم عن الزهري، وسفيان بن