عنها أيضا في مناسبات أخرى, لكن المقصود هنا هو إيضاح العلاقة بين ما قام به الباحث من جهد, وبين ما يقف عليه من كلام النقاد في الحديث الذي ينظر فيه , ويمكن القول بأن هذه العلاقة ليست على درجة واحدة وصفة واحدة، سواء بالنسبة للباحثين, وتمكنهم, ودربتهم, أو بالنسبة لكل حديث بعينه, إذ الأحاديث تختلف من جهة ظهور الترجيح وخفائه.
وأمر آخر -لا يقل أهمية عن سابقه- وهو أن استخدام قرائن الترجيح والموازنة من قبل من جاء بعدهم لا يعني بالضرورة أن يكون الشخص قد بلغ مبلغهم وساماهم في علمهم، فإن ذلك مما لا سبيل إليه، واشتراطه يعني إغلاق باب الاجتهاد في هذا الفن مطلقا كليا أو جزئيا، والذي أراه أنه يمكن للمتأخر أن يشارك أئمة النقد استخدام هذه القرائن، بالقدر الذي يستطيعه، ويرى أنه ممكن له، وهذا القدر يختلف من باحث لآخر، فهو على درجات، يضع الباحث نفسه في الدرجة اللائقة بها، وهو مسؤول عن ذلك، وهذه الدرجات هي:
١ - الخروج بمعرفتها عن دائرة التقليد المحض إلى معرفة الحق بدليله، وأعني بذلك أن الباحث إذا وقف على حديث رجح فيه الأئمة وجها من وجوه الاختلاف أدرك هو سبب الترجيح، واطمأنت نفسه، وفوق ذلك إذا رأى من يخالفهم ممن لم يسلك منهجهم ولم يتبع طريقتهم، لم تترك هذه المخالفة في نفسه أثرا.
ولو افترضنا أن الباحث واجه حديثا اختلف الأئمة في الترجيح فيه أمكنه أن يفهم وجه الترجيح في كل قول.
وتمكن الباحث من هذه الدرجة يساعده كثيرا على حسن عرضه لمادته