تعد مسألة التفرد وتأثيرها على حكم الناظر في الإسناد إحدى المسائل البارزة التي خالف فيها المتأخرون ما عليه أئمة النقد، فما زال الاهتمام بالتفرد يخف شيئا فشيئا بعد الثلاثمائة، حتى استحكم جدا في الوقت الحاضر.
وقد كان هناك جهود من بعض الأئمة المتأخرين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وسد الهوة الواسعة بين المنهجين، كما تقدم في الفصل الذي قبل هذا في كلام الذهبي، وابن رجب، غير أن تأثير هذه الجهود كان محدودا، والتيار كان جارفا.
ومخالفة المتأخرين لأئمة النقد في هذه المسألة ذات شقين، الأول: البحوث والتقريرات النظرية، والثاني: التطبيق العملي.
فأما الأول فمنه قول ابن حزم:«إذا روى العدل عن مثله كذلك خبرا حتى يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته والقطع به، سواء أرسله غيره أو أوقفه سواه، أو رواه كذاب من الناس، وسواء روي من طريق أخرى أو لم يرو إلا من تلك الطريق ... »(١).
وقال أيضا: «إذا روى العدل زيادة على ما روى غيره، فسواء انفرد بها أو شاركه فيها غيره مثله أو دونه أو فوقه، فالأخذ بتلك الزيادة فرض، ومن خالفنا في ذلك فإنه يتناقض أقبح تناقض، ولا فرق بين أن يروي الراوي العدل حديثا فلا يرويه أحد غيره، أو يرويه غيره مرسلا، أو يرويه ضعفاء، وبين أن يروي الراوي العدل لفظة زائدة لم يروها غيره من رواة الحديث ... ، وهذه الزيادة،