وحين يواجه الباحث هذا الصنف من الأحاديث يستعين -بعد استعانته بالله سبحانه وتعالى- بعدة أمور، يستعين بالجلد والمثابرة في البحث والتنقيب, وبالصبر والأناة وعدم الاستعجال، وقد يحتاج إلى المشورة والسؤال، وهذا كله بعد أن يكون قد استعد لذلك، وأكثر من التدرب والنظر في تصرفات النقاد وأحكامهم.
وغير خاف أن قضية التعارض في حد ذاتها أمر نسبي، فالتعارض ليس على درجة واحدة، فمنه ما لا يستطيع الناظر التخلص منه، ومنه ما يزول بعد النظر والتمحيص، والناظر يوجس خيفة من طريقته في إزالته والوصول إلى رأي راجح.
ولكي تتضح أهمية القضية، وأبعادها، وحضورها اللافت في أحاديث الاختلاف، سأكثر من الأمثلة التطبيقية وذكر القرائن المتعارضة, وأحكام النقاد حينئذ، مع الحرص على أن تكون هذه الأمثلة شاملة لأكبر قدر ممكن من القرائن التي تقدم ذكرها في الفصل الذي قبل هذا.
وسيتضح من هذه الأمثلة السبب المباشر لاختلاف النقاد، بل لاختلاف كلام الناقد الواحد، أو تردده في الترجيح، وأن مردَّ ذلك إلى تعارض القرائن، وربما جرت محاورات بين بعض النقاد، وكل يذكر ما يؤيد ما ذهب إليه، مطبقين مبدأ التنافس المرغوب فيه للوصول إلى الحقيقة، بعيدا عن الهوى والتعصب.
وأول ما أبدأ به من هذه الأمثلة ما يرجح فيه الناقد مع ذكره للقرينة المعارضة لترجيحه.
فمن ذلك أن الهقل بن زياد، وعمرو بن هاشم، وغيرهما، رووا عن