وقال أبو زرعة: ولا أعلم روى إبراهيم بن مهاجر، عن مسلم البطين شيئا.
فذكرت ذلك لأبي، فقال: هذا مما روى عنه، ولا أعلم إبراهيم بن أبي حفصة روى عن مسلم البطين ... » (١).
والجواب عن هذه النصوص وأمثالها سهل جدا، ذلك أن الاعتراض على دليل معين، لا يعني رفض الأصل الذي يندرج تحته هذا الدليل، وإلا لم يبق أصل يستدل به، فالسنة النبوية -مثلا- الأصل الثاني في التشريع بعد كتاب الله تعالى، ولو استدل مستدل بحديث، ثم اعترض عليه بأن الحديث لا يثبت، أو ليس فيه دلالة، لم يكن في هذا الاعتراض من قائله ذهاب إلى عدم الاستدلال بهذا الأصل كله، وهذا ظاهر جدا.
والاعتراض على أفراد الأدلة متضمن عند التأمل للإقرار بالأصل الذي تنتمي إليه، فالنصوص المذكورة تحمل في طياتها تأكيدا للأصول التي استخدمها النقاد في نقدهم للأحاديث، التي مضى الحديث عنها في المباحث الأربعة السابقة، فاعتراض أحمد على حكاية ابن علية، عن ابن جريج، متضمن لقبول أحمد بأن الراوي إذا أنكر ما نسب إليه ونفاه فذلك موجب للتوقف في روايته، لكن أحمد
(١) «علل ابن أبي حاتم» ٢: ٢٤٥، وقد نقل الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» ١: ٢٩٨، عن الحفاظ من أهل العلم بالحديث أن الصواب رواية قبيصة، وأن رواية أبي داود الحفري وهم، وهذا يوافق اختيار أبي زرعة.