ثامنا: في جمع طرق الحديث تمهيدا للنظر فيها ومعالجتها العبرة بمدار الحديث، فأي طرق لهذا المتن تمر بذلك المدار فهي بغية الباحث، ولا تأثير في هذه المرحلة لما وقع بعد المدار، وعلى أي صفة هو.
وعلى هذا لو افترضنا أن الحديث الذي مع الباحث يرويه في إسناد الباحث حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، ثم وجد الباحث رواية سفيان بن عيينة لهذا الحديث بعينه عن عمرو بن دينار، عن جابر، ووجد رواية شعبة لهذا الحديث أيضا عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة، فالروايتان اللتان وقف عليهما الباحث من حديث جابر، ومن حديث أبي هريرة، هما من طرق حديثه، فالعبرة بالمدار وهو عمرو بن دينار، وهكذا لو جاء عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد مرسلا، فهو أيضا من طرق حديثه.
واعتبار المدار قطب الرحى في جمع الطرق إحدى الخطوات الأولى الهامة في الطريق الصحيح لنقد المرويات، ومتى أغفل الباحث ذلك في مرحلة جمع الطرق، باعتبار هذه شواهد للحديث -كما هو متقرر في أذهان كثير من الباحثين- فقد وضع الباحث قدمه في خطوة هامة أيضا في الطريق الخطأ لنقد المرويات، وسيأتي لهذا زيادة بيان في عدة مواضع من هذا الكتاب في مناسبات هذه القضية.
وما يقال في المدار المطلق للحديث يقال أيضا في المدارات النسبية له، فلو افترضنا أن سفيان، وشعبة، روياه كرواية حماد بن زيد، وجاء عن شعبة أيضا بصفة أخرى، كجعل الحديث عن جابر، أو أبي هريرة، فهذا كله من بغية الباحث