في التفرد خاص بما يرويه الثقة ومن في حكمه، فالمتأخر ليس عنده تضعيف بالتفرد لما يرويه هؤلاء، وأما ما يتفرد به الضعيف فهم يوافقون أئمة النقد على تضعيفه ورده بالتفرد.
ثم ظهر لي أن مخالفة المتأخرين لأئمة النقد في تفرد الضعيف أقوى وأشد، فالمناكير عن الضعفاء أكثر بكثير منها عن الثقات ومن في حكمهم، والمتأخرون -كما تقدم- ربطوا درجات الأحاديث بمراتب الرواة فقط، غير ملتفتين لقرائن الإسناد الأخرى ومنها التفرد، فأحاديث الضعفاء عندهم ضعيفة فقط، لأن رواتها ضعفاء، وعلى هذا فهي قابلة للاعتضاد على طريقتهم.
وأما أئمة النقد فليس النظر عندهم فقط لدرجة الراوي، فالحديث يحكمون ببطلانه، وبكونه موضوعا، وليس في إسناده من رمي بالكذب والوضع، وهذا كثير جدا عندهم في أحاديث الضعفاء، بل قد يوجد عندهم في أحاديث الثقات أيضا، كما تقدم في هذه الفصول.
ومن أمثلته في الضعفاء ما رواه معاوية بن يحيى الصدفي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -وقال مرة: عن أبي سعيد الخدري-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«أيام التشريق كلها ذبح».
سئل عنه أبو حاتم، فقال:«هذا حديث كذب بهذا الإسناد»، وأبى مرة أن يقرأه على الناس، وقال:«هذا حديث موضوع عندي»(١).
(١) «علل ابن أبي حاتم» ١: ٢٨٦، ٢: ٣٨، وانظر: «الكامل» ٦: ٢٣٩٦، و «سنن البيهقي» ٩: ٢٩٦.