الأمر الرابع: الاستعانة بطبقة المدار المختلف عليه ومن فوقه لترجيح وجه أو أكثر من وجوه الاختلاف على المدار أمر في غاية الدقة, وهو مزلة قدم إذا لم يحكمه الباحث، وبيان ذلك أن الاستعانة بالطبقات العليا والاستفادة منها للترجيح في اختلاف على راو إنما يصح إذا كان الترجيح في الاختلاف على هذا الراوي قد فرغ منه الناقد, أو كاد يفرغ منه, وذلك بالنظر في المدار نفسه, وفي الرواة المختلفين عليه, وفي صفة رواياتهم, فيزيد هذا الترجيح قوة بالاستعانة بالطبقات العليا.
وعلى هذا فالروايات في الطبقات العليا لا تقلب الترجيح, فلو اختلف على سفيان الثوري -مثلا- أصحابه, فرواه بعضهم على وجه, ورواه بعضهم على وجه آخر، ثم ترجح للباحث أحد الوجهين وفرغ منه, وانتقل إلى النظر في الروايات الأخرى عن شيخه الأعمش, فوجد أن الطرق الأخرى عن الأعمش توافق الوجه المرجوح عن الثوري, لا يعود الباحث وينقض ترجيحه في الخلاف على الثوري.
وكذلك لو وجد الباحث خلافا على الأعمش, ثم عالجه, ووصل إلى ترجيح وجه كان هو المرجوح عن الثوري, لا يعود إلى الاختلاف على الثوري ويقلب نتيجة النظر بجعل ما هو مرجوح عن الثوري راجحا عنه.
ومثل ذلك لو تقرر عند الباحث بصورة ظاهرة حفظ الوجهين عن الثوري، ثم انتقل إلى الروايات الأخرى عن شيخه الأعمش، فوجد أن المحفوظ عنه وجه واحد, لا يعود إلى الاختلاف على الثوري، ويلغي النتيجة الأولى, بل هي باقية.