للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه المرجحات وتلك القرائن سيأتي الحديث عنها لاحقا، لكني هنا أعيد ما سبق آنفا من أن معظمها كان قد تمت دراسته وإنضاجه في خطوات سابقة عندهم، وهي الخطوات الأربع التي قبل هذه الخطوة، فهذه المرجحات والقرائن بعضها في الرواة الذي جرى بينهم الاختلاف، من حيث درجاتهم في أنفسهم، ومن حيث المقارنة بينهم، ومن حيث صلتهم بشيخهم الذي اختلفوا عليه، وبعضها في الشيخ نفسه الذي جرى عليه الاختلاف، وبعضها في المروي إسنادا أو متنا.

هذه صور تقريبية لطريقة النقاد في التعامل مع الاختلافات بين الرواة، ذكرتها هكذا ليسهل فهمها، لكنها في واقع الأمر ليست على هذا الترتيب المعين عندهم، فأساسها كلها: مقارنة المرويات، ثم كانت النتائج كلها ثمرة هذه المقارنة، سواء في درجات الرواة، والمقارنة بينهم، ومراتبهم في شيوخهم، أو في الأحاديث نفسها، وما أثمر ذلك كله من قواعد للوصول إلى درجة الحديث، وصحته من ضعفه، مثل قواعد التفرد، واختلاف الرواة، والاعتضاد، يذكرونها في بيانهم وتعليلهم لأحكامهم، فاستفاد منها من جاء بعدهم، وأراد أن يحكم على الحديث.

ولم يأت هذا من الناقد في يوم وليلة، فهو ثمرة جهد جهيد، وزمن طويل، من التحصيل والتتبع، والمقارنة، فالناقد يمضي سنوات عديدة في الرواية والرحلة، حتى تكتمل عنده أدوات النقد، فيعملها، ويصدر أحكامه، مع بقاء هذه الأحكام عرضة للمراجعة، بحسب ما يستجد عنده من دلائل، وما يقف عليه من طرق، فقد يتراجع، وقد يتردد.

<<  <  ج: ص:  >  >>