الثاني: النقد بالتفرد لم يقتصر على لفظ (النكارة)، فقد استعملوا فيه مصطلحات أخرى كثيرة، كالتعبير عنه بأنه خطأ، أو لا أصل له، أو باطل، أو لم يتابع عليه، أو روى أحاديث لم يتابع عليها، ونحو ذلك، فهذه ألفاظ لا يمكن صرفها إلى معنى لغوي، فيحصل التناقض في معنى واحد، لمجرد أن النقاد عبروا عنه بألفاظ مختلفة، من باب التنويع والتفنن.
الثالث: أطلق النقاد كثيرا على حديث الثقة إذا تفرد وخالف غيره من الثقات بأنه منكر، كما تقدمت الإشارة إليه قريبا، فما المانع أن يذهب من يرى قبول زيادة الثقة مطلقا إلى تفسير النكارة ههنا أيضا على المعنى اللغوي، فإنه موجود فيها، فيسقط بهذا التضعيف بالمخالفة، وما كان جوابا عنه، فهو أيضا جواب عن حمل الاستنكار في التفرد دون مخالفة على المعنى اللغوي.
وأما الشق الثاني في مخالفة المتأخرين لأئمة النقد في النظر إلى التفرد، فهو الجانب التطبيقي، أي في حال الحكم على إسناد وقع فيه تفرد، فما زال المتأخرون يبتعدون شيئا فشيئا عن منهج النقاد في هذه المسألة حتى أشرفوا في ذلك على الغاية في الوقت الحاضر، فلا أثر لرد تفرد الثقة ومن في حكمه، بل إن أكثرهم لا يبحث في ذلك أصلا، ولا يعرج عليه، مع وجود نقد الحديث الذي بين يديه من النقاد الأوائل أو من بعضهم بالتفرد، ومن يكلف نفسه بالنظر في أقوال النقاد فإنما يفعل ذلك لرده ومناقشته، كأن يقول بعد نقل كلام الناقد: كذا قال، وفلان ثقة فلا يضر تفرده، أو يقول: قال فلان: لم يتابع عليه، نعم لم يتابع عليه فكان ماذا؟ ونحو هذه العبارات.