وأمثلة ما ذكرته كثيرة جدا، لا يمكن حصرها، فمن ذلك حديث قتيبة بن سعيد الماضي في المبحث الرابع، وقول البخاري لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت حديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب؟ فأجاب قتيبة بأنه كتبه مع خالد المدائني، فذكر البخاري أنه يدخل الأحاديث على الشيوخ.
تكلم على هذا الحديث جماعة من الأئمة المتأخرين، والمشايخ المعاصرين، فرفضوا هذا النقد، وصححوا الحديث، وغاية ما أجابوا به أن قتيبة ثقة مأمون.
والبخاري يعلم علم اليقين أن قتيبة ثقة مأمون، لكنه يعلم أيضا أن هذا الحديث الذي رواه بذلك الإسناد، باللفظ المذكور، منكر جدا لا يصح، وقد قامت قرائن أخرى -ذكرتها هناك- على هذا، فاستنكار البخاري للحديث ليس مبنيا على سؤاله وجواب قتيبة، وإنما هو يبحث عن سبب وقوع قتيبة في رواية هذا المنكر، فوجده في جواب قتيبة.
وقصة البخاري مع قتيبة بن سعيد وردت بعدة ألفاظ، أسوق الآن أحد ألفاظها، ومنه يتضح مستند البخاري في إنكاره الحديث، وسؤاله لقتيبة بن سعيد، وفيها أيضا إقرار قتيبة للبخاري، ورجوعه إلى رأيه، قال محمد بن يوسف الفربري: «سأل أبو عبدالله (يعني البخاري) أبا رجاء -يعني قتيبة- إخراج أحاديث ابن عيينة، فقال: منذ كتبتها ما عرضتها على أحد، فإن احتسبت ونظرت فيها، وعلمت على الخطأ منها - فعلت، وإلا لم أحدث بها، لأني لا آمن