وتقدم هنا في الفصل الرابع من الباب الأول في المبحث الخامس منه أن الناقد قد يرجح بأن هذه الأحاديث أدخلت عليه وهو لا يعلم، ولا يلجأ الناقد إلى تقوية هذه الأحاديث بمجرد كون راويها كذلك عنده، إذ هي منكرة.
ومن أمثلة ذلك أيضا في التدليس أن ابن معين كان يذهب إلى تقوية محمد بن كثير القرشي الكوفي، وأنه لا بأس به، والجمهور على أنه ضعيف منكر الحديث، وسئل عنه ابن معين مرة فقواه، فذكر له السائل حديثين مما استنكره النقاد عليه، فأشار ابن معين إلى احتمال أن يكون دلسهما، ثم قال:«وإن كان الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيما»(١).
فاستقامة حديث هذا الراوي عند ابن معين، وكونه يرى أنه لا بأس به، لم يقدم ولم يؤخر في نظر ابن معين لهذين الحديثين، فهما منكران، وبهما نسب الراوي إلى الكذب، إن كان رواهما، فهما اللذان حكما على الراوي، وليس العكس.
وبضد هذا ما حصل لابن المديني مع عبدالسلام بن حرب، فإنه وقف له أولا على منكرات، ثم وقف على باقي حديثه فرآه مستقيما، فغير رأيه فيه، والمنكرات باقية كما هي، ولهذا قصة ذكرها ابن المديني، قال: «كنت أستنكر بعض حديثه حتى نظرت في حديث من يكثر عنه، فإذا حديثه مقارب، عن مغيرة والناس، وذلك أنه كان عسرا، فكانوا يجمعون غرائبه في مكان، فكنت أنظر إليها