ولا بد من الإشارة إلى فرق جوهري بين ما كان عليه الأئمة المتأخرون السائرون على منهج الفقهاء الأصوليين، وبين الباحثين في العصر الحاضر، وهو أن أكثر أولئك ساروا على منهج مع علمهم بوجود منهج آخر وهو منهج أئمة النقد، كما تقدم في كلام ابن حزم، وابن الجوزي، وابن القطان، وأما الباحثون المعاصرون فأكثرهم لا يدرك ذلك، ويأنف أن يقال له: إنك تسير على غير ما سار عليه أئمة النقد، مع أن الأمر ظاهر، إذ هو يكثر من تصحيح أحاديث قد ضعفوها، فمن أين أتى هذا؟ .
وقد حاورني شخص حين سمع بوجود منهجين وقال في كلامه: أريد من نص على هذا، بشرط تجنب ذكر اثنين، فذكر أستاذا فاضلا معاصرا، له جهود مشكورة موفقة في التنبيه على بعض الخلل في الدراسات الحديثية عند المتأخرين، وذكر الحافظ ابن رجب.
فقلت له: أما الأستاذ المعاصر فلك الحق في استثنائه، لأن خلافك معه ومع أمثاله، وأما ابن رجب فهو الفحل لا يقذع أنفه، فلو افترضنا أنه تفرد بالتنبيه على مثل ذلك ما ضره، فإن الحق معه، وسبيل التأكد من صحة ما يقوله ليس بالعسير لمن وفقه الله تعالى، فهذه كتبهم، وهذا صنيع المتأخرين.
ومع ذلك فسأتنزل معك وأدع ابن رجب (١) , ثم ذكرت له جماعة من الأئمة الذين نصوا على وجود المذهبين ممن تقدم نقل كلامهم آنفا، فما كان منه
(١) ينظر بحثه لهذه المسألة في «شرح علل الترمذي» ٢: ٦٣٠ - ٦٤٣.