وتبين آنفا الأهمية القصوى لمعرفة مراتب أصحاب الرواة في شيوخهم، فهي تبرز حين يختلفون على شيخهم في حديث معين، فالناقد يلجأ كثيرا إلى هذه المراتب لمعرفة الراجح عن هذا الشيخ.
وإذا أدركنا أن مراتب الرواة في شيوخهم جزء أساس من جرح الرواة وتعديلهم، فينبغي أن نستحضر هنا ما تقدم التنبيه عليه مرارا، ووعدت بالتركيز به في كل مناسبة له صلة بها، وهو أن جرح الرواة وتعديلهم هو فرع عن النظر في أحاديثهم، وعليه فالناقد الذي حكم على هذا الراوي بأنه في المرتبة المعينة في شيخه، إنما فعل ذلك بوسائل من أهمها النظر في أحاديثه عن شيخه، مقارنا لها بأحاديث رواة آخرين عن ذلك الشيخ، فتوصل بهذا إلى درجة الراوي في شيخه، فالأحكام على الأحاديث متقدمة على الأحكام على الرواة.
هكذا تبدو الصورة بالنسبة لنقد المرويات في ذلك العصر، وبها ندرك حجم الجهد الذي بذله أولئك النقاد، وأما من جاء بعدهم فإن معرفة درجات الرواة في شيوخهم يبدو سهلا بالنسبة له، ويبقى عليه حسن تطبيق هذه الدرجات حين نظره في الأسانيد، لا سيما حين يختلف الرواة على شيخهم، وهذه السهولة أتت من كون كلام أئمة النقد قد نقل إلينا الكثير منه, فزخرت كتب السؤالات، والتواريخ، والعلل بكلام النقاد، كأحمد، وابن المديني، وابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وغيرهم، تارة عن طريق السؤال المباشر عن أصحاب الراوي ومراتبهم، أو عن بعضهم، وتارة عن طريق كلام الناقد في حديث معين وقع فيه اختلاف، فيذكر الراجح وسبب والترجيح، مبينا هنا