يخالف ما في متن الحديث, فيمكن أن يستدل بذلك على حفظ الوجه الآخر عن المدار, فهو من قرائن الترجيح إذن.
وأما القضية الثانية فهي عكس القضية الأولى: التنبيه على خطورة استخدام صفات لا صلة لها بالترجيح, فقد رأيت بعض الباحثين يستخدم في الترجيح أمورا لا مدخل لها فيه, وأكثر ذلك شيوعا عند الباحثين صفتان:
الصفة الأولى: تمام أحد الإسنادين، ففي الاتصال والانقطاع إذا اختلف على راو من الرواة على وجهين, رجح الباحث أحدهما لكونه متصلا عن صحابيه -مثلا- أو عن تابعيه، والآخر منقطعا, فالراوي الموجود فيه دون الصحابي لم يسمع منه, أو دون التابعي لم يسمع منه.
وهذا مزلق خطير، فلا مدخل لهذا في الترجيح, والبحث عن الراجح إنما هو عن المدار الذي وقع عليه الاختلاف، ما الذي حدث به؟ وقد يكون الراجح عنه هو التام, وقد يكون هو الناقص، أو يترجح عنه حفظ الوجهين.
ومن أمثلة ذلك أن وكيع بن الجراح روى عن سفيان الثوري، عن سالم أبي النضر، عن أبي أنس مالك بن عامر, عن عثمان: «أنه توضأ بالمقاعد ثلاثا ثلاثا, وعنده رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... » الحديث (١).
ورواه جماعة كثيرون, منهم الأشجعي, وعبدالله بن الوليد العدني, والحسين بن حفص، ومحمد يوسف الفريابي, وأبو حذيفة موسى بن مسعود،
(١) «صحيح مسلم» حديث (٢٣٠)، و «مسند أحمد» ١: ٥٧.