غرضهم من ذلك إذن؟ والجواب: لهم من ذلك أغراض متعددة, منها أن يكون الغرض نفي الرواية أصلا, والتعبير بنفي السماع قصد به هذا, كما تقدم آنفا.
ومنها زيادة نقد للوجه المرجوح, فكأنه يقول: على فرض صحته عن المدار ففلان لم يسمع من فلان, كما يفعلون ذلك مع رواة الإسناد أنفسهم بعد المدار, ببيان درجتهم، وقد يفعلون هذا لمجرد البيان فهو إنشاء كلام.
ومنها أن يكون الوجه الراجح بعد ترجيحه عن المدار بقرائن الترجيح من أدلة الانقطاع في الوجه المرجوح, وهذا يكثر منه النقاد, خاصة إذا كان الوجه المرجوح فيه تصريح بالتحديث يراه الناقد خطأ, وقد تقدم شرح هذا في (الاتصال والانقطاع) في الكلام على قرائن وجود السماع أو عدمه, فإدخال راو بين راويين من أقوى القرائن على وجود انقطاع بينهما, وقد يقوى بحيث يرد تصريحا بالتحديث ورد في بعض الأسانيد (١).
ويوضح هذا أن النقاد يتكلمون في قضية الاتصال والانقطاع في الوجه الراجح، كما تقدم في كلام أبي حاتم، وهكذا يفعله غيره من النقاد، فلم يؤثر كونه منقطعا أن يكون راجحا، والمتصل هو المرجوح.
ومثله في حال ترجيح حفظ وجهين، قد ينقدون أحدهما بالانقطاع، ولم يمنع هذا من كونه محفوظا عن المدار.
(١) «الاتصال والانقطاع» ص ٨٠ - ٨١، ١١٥ - ١٣٠، وانظر أمثلة أخرى في «علل ابن أبي حاتم» (٦٩)، (٢١٤)، (٣٠٤)، (٥٥٣)، (١٧٣٢)، (٢٠٤٩)، (٢١٠٤)، (٢١٢٧)، (٢١٤٣)، (٢٤٢٧)، (٢٦٠٥)، (٢٦٢٥)، (٢٧٣٨)، (٢٧٨٦).