وقد ألجأتني الضرورة للحديث في هذا المبحث عن قضايا المدار, للحاجة إليها في شرح قضية المبحث الأساس, وهي أن الباحث إذا كان قصده وفي منهجه أن يصدر حكما على الحديث كله، ولا يكتفي بنتيجة النظر في الاختلاف الذي استقر على مدار فيه، فإنه يلزمه أن ينظر في الإسناد، ابتداء من المدار نفسه، فمن فوقه، من جهة درجات الرواة، وسماع بعضهم من بعض، ومن جهة النظر في الطرق الأخرى الموازية للمدار، ومن فوقه، إلى صحابي الحديث، هل فيها مخالفة للنتيجة التي انتهى إليها النظر في الاختلاف عن المدار أو لا؟ وإن كان هناك مخالفة أنشأ الباحث نظرا في اختلاف جديد، وهكذا أبدا حتى يصل إلى الصحابي، ولا يستثنى من ذلك شيء، اللهم إلا في حال كون الاختلاف الذي فرغ منه كان مداره الصحابي نفسه، كأن يختلف عليه في الرفع والوقف، أو يكون الاختلاف في متن الحديث، ففي هذه الحالة لم يبق إسناد ينظر فيه، ولا طرق أخرى للحديث.
وتحت الجملة السابقة تفاصيل، وقضايا فرعية مهمة، وقد رأيت أن أقسم الحديث عنها بحسب النتيجة التي وصل إليها الناظر في الاختلاف على مداره الأساس، وهي في -الجملة- لا تخلو من ثلاثة أحوال، سأتناول كل حال منها في مبحث خاص.