ويلتحق بما تقدم في الحكم ما إذا وصل الناظر إلى حفظ وجهين أو أكثر عن المدار، وتبين له أن المدار هو سبب الاختلاف، وبعد أن نظر في المدار وما فوقه من طرق لم يستطع ترجيح شيء منها، ولا الحكم بحفظها كلها، فالحديث حينئذ مضطرب.
وتحميل المدار عهدة الاختلاف تقدمت أمثلة كثيرة له في المبحث الثالث من فصلنا هذا، وكذلك في المبحث الأول من الفصل الثاني من هذا الباب، وفي كثير منها يتمكن الناظر في الاختلاف عن طريق التأمل في حال المدار، وصفة روايتيه، والطرق فوقه, من ترجيح شيء من الأوجه المحفوظة عنه, أو الحكم بحفظها جميعا، فهذا شأن آخر، مضى الكلام فيه في المبحث الذي قبل هذا، والكلام الآن فيما إذا لم يتمكن الناظر من الوصول إلى شيء من ذلك، فهو حكم منه بالاضطراب ولا بد.
فيضم الناظر ما كان حرره من كلام في الطرق إلى المدار، وفي المدار نفسه, إلى حكمه بالاضطراب، وكذلك ما يجده من كلام في رواة الإسناد بعد المدار، وينظر كذلك في أوجه الاختلاف فوق المدار إن كان هناك اختلاف فوقه، فإن وجد فيها شيئا ضمه كذلك إلى ما تقدم, ويلخص كل هذا بعبارة مناسبة، فليس هناك عبارة تضبط هذا يوصى بها الباحث، فالصور المتفرعة عنه كثيرة جدا، والمهم في هذا أن يراعي الباحث حين اختياره للعبارة، وفي تعاطيه مع الأوجه المضطربة، ما تقدم في المبحث الثاني من قواعد تتعلق بالوجه المرجوح, إذ الاضطراب علة, فكأن الأوجه كلها مرجوحة.