للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢٨٧٤ - أَوَ لَمْ يَقُلْ مَنْ قَبلَكُمْ لِلرَّافِعِي الْـ ... أصْواتِ حَوْلَ القَبْرِ بالنُّكْرَانِ

٢٨٧٥ - لَا ترْفعُوا الأصْوَاتَ حُرْمَةُ عَبْدِهِ ... مَيْتًا كَحُرْمَتِهِ لَدَى الحَيَوانِ


٢٨٧٥ - قد جاء النهي عن رفع الصوت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} [الحجرات: ٢]، وأثنى سبحانه وتعالى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣)} [الحجرات: ٣]، والميت تبقى حرمته بعد موته، لذلك جاء النهي عن الجلوس على القبور والمشي عليها ونحو ذلك. والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم حرمة من غيره، فلذا يجب أن يخفض الصوت عند قبره مراعاة لتلك الحرمة.
ومما يدل على ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت قائمًا في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما قال: مَن أنتما -أو من أين أنتما-؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أخرجه البخاري في الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد، رقم (٤٧٠).
هذا وقد روى القاضي عياض في الشفاء (٢/ ٤٤) قصة للإمام مالك مع أبي جعفر المنصور وفيها: أن الإمام مالكًا نهى أبا جعفر عن رفع الصوت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن حرمته ميتًا كحرمته حيًا.
وهذه القصة لا تصح بتمامها لضعف إسنادها وانقطاعه، ولوجود غرابة ونكارة في بعض متنها. انظر في تضعيفها: التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ص (٧٧ - ٧٨)، الصارم المنكي لابن عبد الهادي ص (٢٥٩ - ٢٦٤).
ولكن قد يكون أصل القصة صحيحًا وهو ما يتعلق بالنهي عن رفع الصوت في المسجد وأن حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ميتًا كحرمته حيًا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: "نعم قد يكون أصلها صحيحًا ويكون مالك قد نهى عن رفع الصوت في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - اتباعًا للسنة، كما كان عمر رضي الله عنه ينهى عن رفع الصوت في مسجده .. ". التوسل والوسيلة ص (٨٩).