للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عرّفنا بالله وهدانا إليه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبده بمعرفته، ويجمع قلبه على محبته، شرح صدره لقبول صفاته العلا، وتلقيها من مِشكاة الوحي (١). فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول، وتلقّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد. فاستنار به قلبه، واتسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة. وعَلِم (٢) أنه تعريف من تعريفات الله تعالى، تعرَّفَ به إليه على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة من قلبه منزلةَ الغذاء أعظمَ ما كان إليه فاقة (٣)، ومنزلةَ الشفاء أشدَّ ما كان إليه حاجة. فاشتدّ بها فرحُه، وعظم بها غناه (٤)، وقويت بها معرفته، واطمأنّت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه. فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام (٥) عينَ


(١) المشكاة: كل كوة غير نافذة، ومنه قوله تعالى: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: ٣٥] والمشكاة أيضًا قصبة الزجاجة التي يستصبح فيها، وهي موضع الفتيلة. اللسان ١٤/ ٤٤١، القاموس ١٦٧. ومراد المؤلف بالمشكاة نور الوحي من الكتاب والسنة.
(٢) ط: "فعلم".
(٣) الفاقة: الفقر والحاجة.
(٤) في ح، ط: "غناؤه".
(٥) أسام: من سامت الماشية تسوم سومًا: رعت حيث شاءت، وأسامها إذا أخرجها إلى الرعي وخلّاها ترعى. اللسان ١٢/ ٣١١، ومراد المصنف رحمه الله: أن هذا الناظر أرعى عين بصيرته في هذه الرياض والبساتين حتى استفاد منها واقتبس معرفة وعلمًا.