٥٦٢٤ - قال الناظم في الحادي: "وههنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو أنّ الجنة إنما تُدخَل برحمة الله تعالى، وليس عمل العبد مستقلا بدخولها، وإن كان سببا. ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ونفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخولها بالأعمال في قوله: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله". ولا تنافي بين الأمرين لوجهين: أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره، قال: كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال. ويدل على هذا حديث أبي هريرة: أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم" رواه الترمذي. والثاني: أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر، والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره، وإن لم يكن مستقلًا بحصوله. وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأمرين بقوله: "سدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واعلموا أن أحدًا منكم لن ينجو بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته" ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره وذنوبه، وأبصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان" حادي الأرواح ص ٦٤ الباب ١٩. والحديث الذي ذكره الناظم عن الترمذي قد رواه في سننه ٤/ ٦٨٥، باب سوق الجنة وقال عنه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.