للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهِ صَرَّحَ الْجِيلِيُّ فِي الْإِعْجَازِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِحُصُولِ أَصْلِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ.

أَمَّا كَمَالُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِيءَ لَهُ بِرَوْثَةٍ فَرَمَاهَا وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» فَتَعْلِيلُهُ مَنْعَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَا بِكَوْنِهَا رِكْسًا لَا بِكَوْنِهَا غَيْرَ حَجَرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي مَعْنَى الْحَجَرِ كَالْحَجَرِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ كَالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَالتُّرَابَ فِيهِ الطَّهُورِيَّةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ (طَاهِرٍ) لَا نَجِسٍ وَلَا مُتَنَجِّسٍ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ الدَّبْغُ بِالنَّجِسِ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الذَّكَاةِ الْجَائِزَةِ بِالْمُدْيَةِ النَّجِسَةِ وَلِأَنَّهُ إحَالَةٌ (قَالِعٍ) وَلَوْ حَرِيرًا لِلرِّجَالِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ بِإِبَاحَتِهِ لَهُمْ كَالضَّبَّةِ الْجَائِزَةِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ اللُّبْسِ حَتَّى يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَتَفْصِيلُ الْمُهِمَّاتِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَغَيْرِهِمْ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا فِي الْعُرْفِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَجَعَلَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْحَجَرِ مَأْخُوذًا مِنْ الْعِلَّةِ لَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَكَلَامِهِ: أَيْ بِمُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ الَّذِي قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَجَرَ يُزِيلُ الْعَيْنَ إلَخْ وَلَوْ قَالَ: وَتَعْلِيلُهُمْ يَقْتَضِي إلَخْ لَكَانَ وَاضِحًا. [فَرْعٌ] هَلْ يُسَنُّ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ فِي غَيْرِ الِاسْتِنْجَاءِ مَسْحُهَا أَوَّلًا بِجَامِدٍ قَبْلَ غَسْلِهَا بِالْمَاءِ كَمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وِفَاقًا لمر بِالْفَهْمِ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنْ أَدَّتْ إزَالَتُهَا إلَى مُخَامَرَةِ النَّجَاسَةِ بِالْيَدِ اُسْتُحِبَّ إزَالَتُهَا بِالْجَامِدِ أَوَّلًا قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ، وَنُقِلَ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ حَجّ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ إلْحَاقُ بَعْضِهِمْ سَائِرَ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ بِذَلِكَ فَيُسَنُّ فِيهَا الْجَمْعُ لِمَا ذُكِرَ، بَلْ قَدْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ النَّجِسِ حَيْثُ لَمْ يَكْفِهِ الْمَاءُ لَوْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ: أَصْلُ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ) وَقِيلَ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ سُنَّةُ تَرْكِ مُمَاسَّةِ النَّجَاسَةِ لَا سُنَّةُ الْجَمْعِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُغَلَّظًا كَرَوْثِ كَلْبٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ مُبَاشَرَةِ النَّجَاسَةِ بِيَدِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ، وَالتَّغْلِيظُ الْحَاصِلُ مِنْهُ يَزُولُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) أَيْ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الْحَجَرُ الْمَعْرُوفُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْجَبَلِ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِجْزَاءِ الْحَجَرُ الْأَحْمَرُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا مَا لَمْ يُعْلَمْ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ، وَهَهُنَا مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ ذَكَرَهَا الرَّازِيّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: ١٦] وَهِيَ أَنَّ الشَّارِعَ اخْتَرَعَ مَعَانِيَ شَرْعِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ فِيهَا أَلْفَاظًا مَوْضُوعَةً فِي اللُّغَةِ لِمَعَانٍ أُخَرَ فَهِيَ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ أَوْ مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ، لِأَنَّ الشَّارِعَ إنْ غَيَّرَ وَضْعَ اللُّغَةِ وَوَضَعَهَا لِتِلْكَ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ فَهِيَ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ، إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ وَضْعَ اللُّغَةِ وَاسْتَعْمَلَهَا فِي تِلْكَ الْمَعَانِي لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَهِيَ مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ، وَحِينَئِذٍ لَوْ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ التَّشْبِيهَ تَكُونُ اسْتِعَارَةً لَا مَحَالَةَ اهـ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: هَذَا رِكْسٌ) أَيْ نَجِسٌ.

قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الرِّجْسُ الْقَذَرُ وَهُوَ مُضَارِعٌ لِقَوْلِهِ الرِّجْزُ، وَلَعَلَّهُمَا لُغَتَانِ بُدِّلَتْ السِّينُ زَايًا، ثُمَّ قَالَ: وَالرِّكْسُ بِالْكَسْرِ الرِّجْسُ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ) أَيْ الْحَجَرُ (قَوْلُهُ: طَاهِرٍ) أَفَادَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّيَمُّمِ، وَفِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ إذَا جَفَّ، وَأَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عِوَضٌ) يَعْنِي أَنَّ جِلْدَ الْمُذَكَّاةِ طَاهِرٌ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الدُّسُومَةِ وَأَثَرِ اللَّحْمِ، وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَالدَّبْغُ يُطَهِّرُهُ، فَكَأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الذَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إزَالَةَ الدُّسُومَةِ وَمَنْعَ الْفَسَادِ لِلْجِلْدِ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمَا جَازَ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ بِهِمَا حَيْثُ لَمْ يُهَيَّآ لِذَلِكَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَرِيرَ إذَا هُيِّئَ

<<  <  ج: ص:  >  >>