للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخَذَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ قِيَاسًا أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى كُمِّهِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَ إمَامَهُ أَبْصَرَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ) ، وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَدْخُلُ فِيهِ مَا فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي ضَبْطِ الْخَفِيَّةِ، لَكِنْ قِيَاسُ فَرْضِ الْبَعِيدِ قَرِيبًا وَالْأَعْمَى بَصِيرًا أَنْ يُفْرَضَ الْبَاطِنُ ظَاهِرًا فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ.

وَعَلَيْهِ فَيَصِيرُ الْحَاصِلُ أَنَّ الظَّاهِرَةَ هِيَ الْعَيْنِيَّةُ، وَالْخَفِيَّةَ هِيَ الْحُكْمِيَّةُ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ وَلَا بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ وَلَا بَيْنَ بَاطِنِ الثَّوْبِ وَظَاهِرِهِ، لَكِنْ يُنَافِي ضَبْطَ الظَّاهِرَةَ وَالْخَفِيَّةِ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُ حَجّ فِي الْإِيعَابِ، وَوَاضِحٌ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخُبْثِ الْعَيْنِيِّ دُونَ الْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى فَلَا تَقْصِيرَ فِيهِ مُطْلَقًا انْتَهَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[فَائِدَةٌ] يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ ظَاهِرَةً إخْبَارُ الْمَأْمُومِ بِذَلِكَ الْبَعِيدِ صَلَاتِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ رَأَى عَلَى ثَوْبِ مُصَلٍّ نَجَاسَةً وَجَبَ إخْبَارُهُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آثِمًا.

وَمِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ رَأَى صَبِيًّا يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ وَجَبَ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ مِنْ أُرِيدَ نَهْيُهُ (قَوْلُهُ: لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ إنْ كَانَ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا لَمْ يَرَهَا لِبُعْدِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِنَاءً عَلَى فَرْضِ الْأَعْمَى بَصِيرًا وَفَرْضِ الْبَعِيدِ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ فُرِضَ قُرْبُهُ مِنْ الْإِمَامِ وَتَأَمَّلَ رَأَى فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قُلْت الْأَصَحُّ) أَيْ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا إلَخْ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهُنَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَرَّقُوا بَيْنَ مُخْفِي الْكُفْرِ وَمُعْلِنِهِ، وَمِنْهُ مَا قَالُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ حَالَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

غَيْرِهَا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي نَحْوِ الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، فَمُؤَدَّى ضَابِطِ الْأَنْوَارِ وَضَابِطِ الرُّويَانِيِّ عِنْدَهُ وَاحِدٌ بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ ثَمَّ فَرَّعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِالْفَاءِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِقَوْلِهِ الْأَوْلَى وَلَمْ يَقُلْ الْأَصَحَّ أَوْ نَحْوَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ مِنْ ضَابِطِ الرُّويَانِيِّ فَهُوَ أَضْبَطُ.

وَالشِّهَابُ الْمَذْكُورُ لَمَّا فَهِمَ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الضَّابِطَيْنِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ عَبَّرَ عَنْ ضَابِطِ الْأَنْوَارِ بِقَوْلِهِ وَالْأَوْجَهُ فِي ضَبْطِ الظَّاهِرَةِ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ لَرَآهَا، وَلَمْ يَقُلْ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بَيْنَ مَنْ لَمْ يَرَهَا لِبُعْدِهِ أَوْ اشْتِغَالِهِ بِصَلَاتِهِ فَيُعِيدُ وَمَنْ لَمْ يَرَهَا لِكَوْنِهَا بِعِمَامَتِهِ وَيُمْكِنُهُ رُؤْيَتُهَا إذَا قَامَ فَجَلَسَ عَجَزَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ الْأَعْمَى، قَالَ: لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِوَجْهٍ، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبِعَ شَرْحَ الرَّوْضِ أَوَّلًا كَمَا عَرَفْت، ثُمَّ خَتَمَهُ بِقَوْلِ الشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فَلَا فَرْقَ إلَخْ فَنَافَاهُ.

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مُؤَدَّى الضَّابِطَيْنِ وَاحِدٌ وَالِدُ الشَّارِحِ فِي فَتَاوِيهِ، لَكِنْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ هُمَا اسْتَثْنَاهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ ضَابِطِهِ لِضَعْفِهِ عِنْدَهُ، فَمُسَاوَاتُهُ لَهُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ الضَّابِطِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلشِّهَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَعْنَى وَالْحُكْمِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الصَّنِيعِ، وَمُوَافِقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي الصَّنِيعِ وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ، كَمَا يُعْلَمُ بِسَوْقِ عِبَارَةِ فَتَاوِيهِ وَنَصُّهَا: سُئِلَ عَنْ مُصَلٍّ فِي ظَاهِرِ ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى صَدْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مِنْ قُدَّامِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ بَعِيدًا عَنْ إمَامِهِ هَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ الْخَفِيَّةِ حَتَّى لَا يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَذْكُورَةَ مِمَّا تَخْفَى عَنْ الْمَأْمُومِ خُصُوصًا إنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ تَحَرُّمِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَذْكُورَةَ ظَاهِرَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ، وَالنَّجَاسَةُ الظَّاهِرَةُ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا أَبْصَرَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي ظَاهِرِ الثَّوْبِ وَالْخَفِيَّةُ بِخِلَافِهَا انْتَهَتْ.

فَقَدْ صَرَّحَ بِرُجُوعِ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطِينَ إلَى الْآخَرِ، لَكِنْ فِي عَزْوِهِ مَا صَدَّرَ بِهِ الْجَوَابَ لِتَصْرِيحِ الرُّويَانِيِّ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا مَرَّ مِنْ اسْتِثْنَائِهِ الْمَذْكُورِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّارِحُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا مَا هُوَ مُعْتَمَدٌ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، لَكِنْ نَقَلَ عَنْهُ الشِّهَابُ سم مَا يُوَافِقُ مَا فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ الْمُوَافِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>