للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوجَدْ رِضْوَانُهُ فَإِمَّا سَخَطُهُ أَوْ عَفْوُهُ، وَالْعَفْوُ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْخَطِيئَةِ، وَذَلِكَ لَا تُبَاحُ مُبَاشَرَتُهُ إلَّا بِالنَّصِّ، وَإِذَا كَانَ رِضْوَانُهُ إنَّمَا هُوَ فِي اتِّبَاعِهِمْ، وَاتِّبَاعُ رِضْوَانِهِ وَاجِبٌ، كَانَ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبًا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا أَثْنَى عَلَى الْمُتَّبِعِ بِالرِّضْوَانِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الِاتِّبَاعِ يَدْخُلُ فِي الِاتِّبَاعِ فِي الْأَفْعَالِ، وَيَقْتَضِي تَحْرِيمَ مُخَالَفَتِهِمْ مُطْلَقًا، فَيَقْتَضِي ذَمَّ الْمُخْطِئِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْأَقْوَالُ فَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَتِهِمْ فِيهَا بَعْدَمَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَوْلَ إذَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِ رِضَا اللَّهِ لَمْ يَكُنْ رِضَا اللَّهِ فِي ضِدِّهِ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَقَدْ يَكُونُ رِضَا اللَّهِ فِي الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَفِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِحَسَبِ قَصْدَيْنِ وَحَالَيْنِ، أَمَّا الِاعْتِقَادَاتُ وَالْأَقْوَالُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ رِضْوَانَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ إلَّا هُوَ؛ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: السَّابِقُونَ هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا إلَى الْقِبْلَتَيْنِ، أَوْ هُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى اتِّبَاعِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ وُجُوبُ اتِّبَاعِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَهُوَ أَكْبَرُ الْمَقْصُودِ، عَلَى أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَكُلُّ الصَّحَابَةِ سَابِقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ.

فَصْلٌ:

[عَوْدٌ إلَى أَدِلَّةِ اتِّبَاعِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ]

الْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: ٢١] هَذَا قَصَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ صَاحِبِ يَاسِينَ، عَلَى سَبِيلِ الرِّضَاءِ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى قَائِلِهَا، وَالْإِقْرَارِ لَهُ عَلَيْهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْأَلْنَا أَجْرًا، وَهُمْ مُهْتَدُونَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى خِطَابًا لَهُمْ: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: ١٠٣] وَ " لَعَلَّ " مِنْ اللَّهِ وَاجِبٌ وقَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: ١٦] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: ١٧] وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ - سَيَهْدِيهِمْ} [محمد: ٤ - ٥] وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَاهَدَ إمَّا بِيَدِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ، فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ هَدَاهُمْ، وَكُلُّ مَنْ هَدَاهُ فَهُوَ مُهْتَدٍ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ بِالْآيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>