أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ، لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ إلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَوْتَ الصَّوَابِ فِي الْفَتْوَى لِأَعْلَمْ الْأُمَّةِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ مَعَهُ وَظَفَرَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهَذَا مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ قَوْلَهُ حُجَّةً يُجَوِّزُ ذَلِكَ، بَلْ يَحْكُمُ بِوُقُوعِهِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مَا رَوَاهُ زَائِدَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَأَتَاهُمْ عُمَرُ، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؛ وَنَحْنُ نَقُولُ لِجَمِيعِ الْمُفْتِينَ: أَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ إذَا أَفْتَى بِفَتْوَى، وَأَفْتَى مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ بِغَيْرِهَا؟ وَلَا سِيَّمَا مَنْ قَالَ مِنْ زُعَمَائِكُمْ: إنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُ مَنْ قَلَّدْنَاهُ دِينَنَا، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، اللَّهُمَّ إنَّا نُشْهِدُك أَنَّ أَنْفُسَنَا لَا تَطِيبُ بِذَلِكَ، وَنَعُوذُ بِك أَنْ نَطِيبَ بِهِ نَفْسًا.
الْوَجْهُ الْأَرْبَعُونَ: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إذَا أُتِيت بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَقِيلَ لِي: اشْرَبْ، فَشَرِبْت مِنْهُ، حَتَّى إنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْت فَضْلَتِي عُمَرَ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْت ذَلِكَ؟ قَالَ: الْعِلْمُ» .
وَمِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَعَ مَنْ خَالَفَهُ فِي فُتْيَا أَوْ حُكْمٍ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُ فِيهِ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ وَضَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضُوءًا، فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَقَالَ عِكْرِمَةُ: «ضَمَّنِي إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ» .
وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ جِدًّا بَلْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُفْتِيَ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ الَّذِي دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ قَطْعًا أَنْ يُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ وَيَعْلَمَهُ الْحِكْمَةَ وَلَا يُخَالِفَهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَيَكُونُ فِيهَا عَلَى خَطَأٍ وَيُفْتِي وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ فَتْوَاهُ وَيَكُونُ الصَّوَابُ مَعَهُ، فَيَظْفَرُ بِهِ هُوَ وَمُقَلِّدُوهُ، وَيُحْرَمُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالصَّحَابَةُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعَةِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهَا قَوْلًا، وَأَفْتَى بِفُتْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute