للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلِيَائِهِ وَخِيَارِ خَلْقِهِ وِسَادَاتِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا وَصُلَحَائِهَا فِي تَكَافُؤِ دِمَائِهِمْ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمْ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا ظَنٌّ يُذَمُّ اتِّبَاعُهُ.

قَالُوا: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّكُمْ قِسْتُمْ أَعْدَاءَ اللَّهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ فِي جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمْ فَقَتَلْتُمْ أَلْفَ وَلِيٍّ لِلَّهِ قَتَلُوا نَصْرَانِيًّا وَاحِدًا يُجَاهِرُهُمْ بِسَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ عَلَانِيَةً، وَلَمْ تَقِيسُوا مَنْ ضَرَبَ رَأْسَ رَجُلٍ بِدَبُّوسِ فَنَثَرَ دِمَاغَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَنْ طَعَنَهُ بِمِسَلَّةٍ فَقَتَلَهُ.

قَالُوا: وَسَنُبَيِّنُ لَكُمْ مِنْ تَنَاقُضِ أَقْيِسَتِكُمْ وَاخْتِلَافِهَا وَشِدَّةِ اضْطِرَابِهَا مَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ.

قَالُوا: وَاَللَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَكِلْ بَيَانَ شَرِيعَتِهِ إلَى آرَائِنَا وَأَقْيِسَتِنَا وَاسْتِنْبَاطِنَا، وَإِنَّمَا وَكَلَهَا إلَى رَسُولِهِ الْمُبَيِّنِ عَنْهُ، فَمَا بَيَّنَهُ عَنْهُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْهُ فَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ، وَنَحْنُ نُنَاشِدُكُمْ اللَّهَ: هَلْ اعْتِمَادُكُمْ فِي هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ الشَّبَهِيَّةِ وَالْأَوْصَافِ الْحَدْسِيَّةِ التَّخْمِينِيَّةِ عَلَى بَيَانِ الرَّسُولِ أَمْ عَلَى آرَاءِ الرِّجَالِ وَظُنُونِهِمْ وَحَدْسِهِمْ؟ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] ، فَأَيْنَ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي إذَا حَرَّمْتُ شَيْئًا أَوْ أَوْجَبْتُهُ أَوْ أَبَحْتُهُ فَاسْتَخْرَجُوا وَصْفًا مَا شَبَهِيًّا جَامِعًا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ جَمِيعِ مَا سَكَتُّ عَنْهُ فَأَلْحِقُوهُ بِهِ وَقِيسُوا عَلَيْهِ.

قَالُوا: وَاَللَّهُ - تَعَالَى - قَدْ نَهَى عَنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ لَهُ، فَكَمَا لَا تُضْرَبُ لَهُ الْأَمْثَالُ لَا تُضْرَبُ لِدِينِهِ، وَتَمْثِيلُ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِهِ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ لِشَبَهِ مَا ضَرَبَ الْأَمْثَالَ لِدِينِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَمْثَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا، كَمَا أَمَرَهُمْ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي نَامُوا عَنْهَا فَقَالُوا: «أَلَا نُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا مِنْ الْغَدِ؟ فَقَالَ: أَيَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ» ، وَكَمَا «قَالَ لِعُمَرَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ» ، وَكَمَا «قَالَ لِمَنْ سَأَلَتْهُ عَنْ الْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» ، وَكَمَا «قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ: هَلْ يُثَابُ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ» .

[مِنْ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ]

وَمِنْ أَحْسَنِ هَذِهِ الْأَمْثَالِ وَأَبْلَغِهَا وَأَعْظَمِهَا تَقْرِيبًا إلَى الْأَفْهَامِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِيَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنْيِ إسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا، فَقَالَ عِيسَى: إنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنْيِ إسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ، فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إنْ سَبَقْتَنِي أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>