للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّ هَؤُلَاءِ قَسَّمُوهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِيَاسٌ أَوْلَى، وَقِيَاسُ مِثْلٍ، وَقِيَاسٌ أَدْنَى، ثُمَّ اضْطَرَبُوا فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْعُمُومِ أَوْ بِالْعَكْسِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاضْطَرَبُوا فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى خَبَرِ الْآحَادِ الصَّحِيحِ، فَجُمْهُورُهُمْ قَدَّمَ الْخَبَرَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْفَرَجِ الْقَاضِي وَأَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ الْمَالِكِيَّانِ: هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ طَرْدُ هَذَا الْقَوْلِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَنَاقُضِهِمْ، وَاضْطَرَبُوا فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْخَبَرِ الْمُرْسَلِ، وَعَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْقِيَاسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْمُرْسَلَ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ، وَأَكْثَرُهُمْ - بَلْ كُلُّهُمْ - يُقَدِّمُونَ هَذَا تَارَةً، وَهَذَا تَارَةً، فَهَذَا تَنَاقُضُهُمْ فِي التَّأْصِيلِ.

وَأَمَّا تَنَاقُضُهُمْ فِي التَّفْصِيلِ فَنَذْكُرُ مِنْهُ طَرَفًا يَسِيرًا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ مِنْ قِيَاسِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قِيَاسًا وَتَرْكِهِمْ فِيهَا مِثْلَهُ أَوْ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، أَوْ تَرْكِهِمْ نَظِيرَ ذَلِكَ الْقِيَاسِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَلْبَتَّةَ.

[أَمْثِلَةٌ مِنْ تَنَاقُضِ الْقِيَاسِيِّينَ] فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجَازُوا الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَقَاسُوا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَيْهِ سَائِرَ الْأَنْبِذَةِ، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ لَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقِيَاسُ حَقًّا فَقَدْ تَرَكُوهُ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَقَدْ اسْتَعْمَلُوهُ، وَلَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ الْخَلَّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ كَانَ نَبِيذُ التَّمْرِ تَمْرَةً طَيِّبَةً وَمَاءً طَهُورًا، وَلَمْ يَكُنْ الْخَلُّ عِنَبَةً طَيِّبَةً وَمَاءً طَهُورًا، وَالْمَرَقُ لَحْمًا طَيِّبًا وَمَاءً طَهُورًا، وَنَقِيعُ الْمِشْمِشِ وَالزَّبِيبِ كَذَلِكَ؟ فَإِنْ ادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْوُضُوءِ بِذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إجْمَاعٌ.

فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْخَلِّ، وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَهَلَّا قِسْتُمْ الْمَنْعَ مِنْ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الْوُضُوءِ بِالْخَلِّ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: اقْتَصَرْنَا عَلَى مَوْضِعِ النَّصِّ وَلَمْ نَقِسْ عَلَيْهِ، قِيلَ لَكُمْ: فَهَلَّا سَلَكْتُمْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ نُصُوصِهِ، وَاقْتَصَرْتُمْ عَلَى مَحَالِّهَا الْخَاصَّةِ، وَلَمْ تَقِيسُوا عَلَيْهَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ، قِيلَ لَكُمْ: فَقَدْ صَرَّحْتُمْ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، ثُمَّ هَذَا يُبْطِلُ أَصْلَ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ وُرُودُ الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ عُلِمَ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ مِنْ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَرِدُ بِخِلَافِ الْحَقِّ أَصْلًا، ثُمَّ مِنْ قَاعِدَتِكُمْ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا خَالَفَ الْأُصُولَ لَمْ يُقْبَلْ، وَفِي أَيِّ الْأُصُولِ وَجَدْتُمْ مَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ وَلَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ دَاخِلَهُمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: اقْتَصَرْنَا فِي ذَلِكَ عَلَى مَوْضِعِ النَّصِّ، قِيلَ: فَهَلَّا اقْتَصَرْتُمْ بِهِ عَلَى خَارِجِ مَكَّةَ فَقَطْ حَيْثُ جَاءَ الْحَدِيثُ؟ وَكَيْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>