للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَاغَ لَكُمْ قِيَاسُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوُضُوءِ دُونَ قِيَاسِ دَاخِلِ الْمِصْرِ عَلَى خَارِجِهِ؟ وَقِيَاسُ الْعِنَبَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ وَاللَّحْمِ الطَّيِّبِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ وَالدِّبْسِ الطَّيِّبِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ عَلَى الثَّمَرَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ، فَقِسْتُمْ قِيَاسًا، وَتَرَكْتُمْ مِثْلَهُ، وَمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، فَهَلَّا اقْتَصَرْتُمْ عَلَى مَوْرِدِ الْحَدِيثِ وَلَا عَدَّيْتُمُوهُ إلَى أَشْبَاهِهِ وَنَظَائِرِهِ؟

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّكُمْ قِسْتُمْ عَلَى خَبَرٍ مَرْوِيٍّ «يَا بَنِي الْمُطَّلِبِ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ» فَقِسْتُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَأَبَحْتُمْ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْخَبَرُ، وَقِسْتُمْ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَهُوَ طَاهِرٌ لَاقَى أَعْضَاءً طَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ الَّذِي لَاقَى الْعَذِرَةَ وَالدَّمَ وَالْمَيْتَاتِ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، وَتَرَكْتُمْ قِيَاسًا أَصَحَّ مِنْهُ وَهُوَ قِيَاسُهُ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ وَمِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ انْتِقَالِهِ مِنْ عُضْوِ الْمُتَطَهِّرِ الْوَاحِدِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ وَبَيْنَ انْتِقَالِهِ إلَى عُضْوِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ» ، وَلَا رَيْبَ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ قِيَاسَ جَسَدِ الْمُسْلِمِ عَلَى جَسَدِ أَخِيهِ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْعَذِرَةِ وَالْجِيَفِ وَالْمَيْتَاتِ وَالدَّمِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّكُمْ قِسْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ الرَّجُلُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ فِي كَفَّارَتِهِ وَالْمَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي زَكَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ تَرَكْتُمْ قِيَاسًا أَصَحَّ فِي الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ مِنْهُ، وَهُوَ قِيَاسُ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي قَدْ أَدَّى بِهِ عِبَادَةً عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي قَدْ صَلَّى فِيهِ، وَعَلَى الْحَصَى الَّذِي رَمَى بِهِ الْجِمَارَ مَرَّةً عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ مِنْكُمْ الرَّمْيَ بِهَا ثَانِيَةً، وَعَلَى الْحَجَرِ الَّذِي اسْتَجْمَرَ بِهِ مَرَّةً إذَا غَسَلَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّكُمْ قِسْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَلَمْ تُغَيِّرْ لَهُ لَوْنًا وَلَا طَعْمًا وَلَا رِيحًا عَلَى الْمَاءِ الَّذِي غَيَّرَتْ النَّجَاسَةُ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ، وَهَذَا مِنْ أَبْعَدِ الْقِيَاسِ عَنْ الشَّرْعِ وَالْحُسْنِ. وَتَرَكْتُمْ قِيَاسًا أَصَحَّ مِنْهُ، وَهُوَ قِيَاسُهُ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ، فَقِيَاسُ الْوَارِدِ عَلَى الْمَوْرُودِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ وَالْأَوْصَافِ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِ مِائَةِ رِطْلٍ مَاءً وَقَعَ فِيهِ شَعْرَةُ كَلْبٍ عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ خَالَطَهَا مِثْلُهَا بَوْلًا وَعَذِرَةً حَتَّى غَيَّرَهَا.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّكُمْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَاءٍ جَارٍ بِقَدْرِ طَرَفِ الْخِنْصَرِ تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَلَمْ تُغَيِّرْهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الْعَظِيمِ الْمُسْتَبْحَرِ إذَا وَقَعَ فِيهِ مِثْلُ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِنْ الْبَوْلِ، فَنَجَّسْتُمْ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>