للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقْضَى بِالطَّلَاقِ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِهِ فَحَنِثَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لِعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ - فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، قَالَ: وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكَ " قَالَ: إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ، ثُمَّ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَا مَعًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَيَتَوَارَثَانِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ يَمِينَ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ، وَلَا تَطْلُقُ الزَّوْجَةُ بِالْحِنْثِ فِيهَا، وَلَوْ حَنِثَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَتَوَارَثَا، فَحَيْثُ أَثْبَتَ التَّوَارُثَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا زَوْجَةٌ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا عِنْدَهُ يَمِينُ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ، كَمَا ذَكَرَهُ عَنْهُ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُد فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النُّورِ عِنْدَ قَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور: ٢١] وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ: إذَا قَالَ " إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ حَجَّةٌ " لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِلنَّذْرِ، فَإِذَا قَالَ: " إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ صَوْمٌ، أَوْ صَدَقَةٌ " لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَجَاجٌ وَغَضَبٌ، فَهُوَ يَمِينٌ فِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَجَعَلْتُمْ قَصْدَهُ لِعَدَمِ الْوُقُوعِ مَانِعًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إيجَابُ مَا الْتَزَمَ، وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَوُقُوعُهُ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ قَالَ: " إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ " وَفَعَلَهُ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ قَصْدُ الْحَلِفِ مِنْ وُقُوعِهِ، وَهُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ، وَمَنَعَ مِنْ وُجُوبِ الْقُرُبَاتِ الَّتِي هِيَ أَحَبُّ شَيْءٍ إلَى اللَّهِ، فَخَالَفْتُمْ صَرِيحَ الْقِيَاسِ وَالْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ الْقِيَاسَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقُلْتُمْ: إذَا قَالَ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ " ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» فَجَعَلْتُمُوهُ يَمِينًا، ثُمَّ قُلْتُمْ: يَلْزَمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقُلْتُمْ: لَوْ قَالَ: " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أُجَامِعُهَا سَنَةً " فَهُوَ مُولٍ فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٢٦] وَالْأَلِيَّةُ وَالْإِيلَاءُ وَالِائْتِلَاءُ هُوَ الْحَلِفُ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «تَأَلَّى عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا» وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} [النور: ٢٢] .

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ

ثُمَّ قُلْتُمْ: وَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ، مَا الَّذِي أَحَلَّهُ عَامًا وَحَرَّمَهُ عَامًا، وَجَعَلَهُ يَمِينًا وَلَيْسَ بِيَمِينٍ؟ ثُمَّ نَاقَضْتُمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقُلْتُمْ: إنْ قَالَ: " إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا كَافِرٌ " وَفَعَلَهُ لَمْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْكُفْرَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ الْفِعْلِ بِمَنْعِهَا مِنْ الْكُفْرِ، وَهَذَا حَقٌّ، لَكِنْ نَقَضْتُمُوهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>