للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعْتُكَ هَذَا الْقَمْحَ " فَإِذَا هُوَ شَعِيرٌ أَوْ " هَذِهِ الْأَلْيَةَ " فَإِذَا هِيَ شَحْمٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ مَعَ تَقَارُبِ الْقَصْدِ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا مِنْ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، فَلَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ فَقَالَ: " بِعْتُكَ وَاحِدًا مِنْهَا " صَحَّ الْبَيْعُ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ أَبْطَلْتُمُوهُ مَعَ قِلَّةِ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ وَصَحَّحْتُمُوهُ مَعَ زِيَادَتِهِمَا؟ أَفَتَرَى زِيَادَةَ الثَّوْبِ الثَّالِثِ خَفَّفَتْ الْغَرَرَ وَرَفَعَتْ الْجَهَالَةَ؟ ، وَتَفْرِيقُكُمْ بِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ يَتَضَمَّنُ الْجَهَالَةَ وَالتَّغْرِيرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُرْتَفِعًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا فَيُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثَةً فَالثَّلَاثَةُ تَتَضَمَّنُ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ وَالْوَسَطَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: " بِعْتُكَ أَوْسَطَهَا " وَذَلِكَ أَقَلُّ غَرَرًا مِنْ بَيْعِهِ وَاحِدًا مِنْ اثْنَيْنِ رَدِيءٍ وَجَيِّدٍ، وَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ، وَهَذَا الْفَرْقُ مَا زَادَ الْمَسْأَلَةَ إلَّا غَرَرًا وَجَهَالَةً، فَإِنَّ النِّزَاعَ كَانَ يَكُونُ فِي ثَوْبَيْنِ فَقَطْ وَأَمَّا الْآنَ فَصَارَ فِي ثَلَاثَةٍ، وَإِذَا قَالَ: " إنَّمَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْوَسَطِ " قَالَ الْآخَرُ " بَلْ عَلَى الْأَدْنَى، أَوْ عَلَى الْأَعْلَى ".

وَقُلْتُمْ: لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ أَرَادَ وَطْأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ تَيَقَّنَّا فَرَاغَ رَحِمِهَا بِأَنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ كَانَتْ بَائِعَتُهَا امْرَأَةً مَعَهُ فِي الدَّارِ بِحَيْثُ تَيَقَّنَ أَنَّهَا غَيْرُ مَشْغُولَةِ الرَّحِمِ، أَوْ بَاعَهَا وَقَدْ ابْتَدَأَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ قُلْتُمْ: لَوْ وَطِئَهَا السَّيِّدُ الْبَارِحَةَ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْغَدَ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا وَرَحِمُهَا مُشْتَغِلٌ عَلَى مَاءِ الْوَطْءِ، فَتَرَكْتُمْ مَحْضَ الْقِيَاسِ وَالْمَصْلَحَةَ وَحِكْمَةَ الشَّارِعِ لِفَرْقٍ مُتَخَيَّلٍ لَا يُجْدِي شَيْئًا، وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا صَحَّ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا بِفَرَاغِ الرَّحِمِ، فَإِذَا حُكِمَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا، فَيُقَالُ: يَالِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ يَحْكُمُ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا وَهُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِوَطْئِهَا؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا حُكْمٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ؟ نَعَمْ لَوْ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ: " لَا يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَيَحْكُمَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا " لَكَانَ هَذَا فَرْقًا صَحِيحًا وَكَلَامًا مُتَوَجِّهًا، وَيُقَالُ حِينَئِذٍ: لَا مَعْنَى لِاسْتِبْرَاءِ الزَّوْجِ، فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ فَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقُلْتُمْ: مَنْ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ السَّبْعِ فَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ إنَّهُ يَجْبُرُهُ بِدَمٍ وَصَحَّ حَجُّهُ، إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ، فَخَرَجْتُمْ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْأَرْكَانَ لَا مَدْخَلَ لِلدَّمِ فِي تَرْكِهَا، وَمَا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ لَا يَكُونُ الْمُكَلَّفُ مُمْتَثِلًا بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِجَمِيعِهِ، وَلَا يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ، كَمَا لَا يَقُومُ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَالْمَأْمُورُ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ فَالْخِطَابُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ بَعْدُ، وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسَامِحْ الْمُتَوَضِّئَ بِتَرْكِ لُمْعَةٍ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>