للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِهِ، وَجَرَيَانُ السَّهْمِ وَعَدْوُ الْكَلْبِ كِلَاهُمَا هُوَ السَّبَبُ فِيهِ، وَكَوْنُ الْكَلْبِ لَهُ اخْتِيَارٌ وَالسَّهْمِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فَرْقٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ إذْ كَانَ اخْتِيَارُ الْكَلْبِ بِسَبَبِ إرْسَالِ صَاحِبِهِ لَهُ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ رَهَنَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أَوْ شَجَرًا مُثْمِرًا دَخَلَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ فِي الرَّهْنِ، وَلَوْ بَاعَهُمَا لَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الرَّهْنَ مُتَّصِلٌ بِغَيْرِهِ، وَاتِّصَالُ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِشَاعَةِ، فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ لَبَطَلَ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّ اتِّصَالَهُ بِغَيْرِهِ لَا يُبْطِلُهُ، إذْ الْإِشَاعَةُ لَا تُنَافِيهِ، وَهَذَا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ هُنَا اتِّصَالُ مُجَاوَرَةٍ، لَا إشَاعَةٍ، فَهُوَ كَرَهْنِ زَيْتٍ فِي ظُرُوفِهِ وَقُمَاشٍ فِي أَعْدَالِهِ وَنَحْوِهِ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى هِبَةِ جَارِيَتِهِ لِرَجُلٍ فَوَهَبَهَا لَهُ مَالِكُهَا فَأَعْتَقَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَلَوْ بَاعَهَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ، وَتَفْرِيقُكُمْ - بِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ صَدَرَ عَنْ إكْرَاهٍ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعِتْقِ، وَذَاكَ بَيْعٌ صَدَرَ عَنْ إكْرَاهٍ وَالْإِكْرَاهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ - لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُكْرِهَ عَلَى التَّمْلِيكِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُكْرَهِ غَرَضٌ فِي الْإِعْتَاقِ، وَالتَّمْلِيكُ لَمْ يَصِحَّ، وَالْعِتْقُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ فَلَا يَنْفُذُ كَالْبَيْعِ سَوَاءٌ. هَذَا مَعَ أَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ الْقِيَاسَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، فَصَحَّحْتُمْ الْعِتْقَ دُونَ الْبَيْعِ، وَفَرَّقْتُمْ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَدْخُلُهُ خِيَارٌ فَصَحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالطَّلَاقِ، وَالْبَيْعُ يَدْخُلُهُ الْخِيَارُ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَهَذَا فَرْقٌ لَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَهُوَ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ وَالشَّهَادَةَ وَالْإِسْلَامَ لَا يَدْخُلُهَا خِيَارٌ، وَلَا تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ عُقُودُ الْمُكْرَهِ مِنْ النُّفُوذِ لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ مُصَحِّحُ الْعَقْدِ، وَهُوَ أَمْرٌ تَسْتَوِي فِيهِ عُقُودُهُ كُلُّهَا مُعَاوَضَتُهَا وَتَبَرُّعَاتُهَا وَعِتْقُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَإِقْرَارُهُ، وَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْمِيزَانِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُخْتَارٍ لَهُ، فَأَقْوَالُهُ كَأَقْوَالِ النَّائِمِ وَالنَّاسِي، فَاعْتِبَارُ بَعْضِهَا وَإِلْغَاءُ بَعْضِهَا خُرُوجٌ عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ وَقَعَ فِي الْغَدِيرِ الْعَظِيمِ الَّذِي إذَا تَحَرَّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ الطَّرَفُ الْآخَرُ قَطْرَةَ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ بَوْلِ آدَمِيٍّ نَجَّسَهُ كُلَّهُ، وَإِذَا وَقَعَ فِي آبَارِ الْفَلَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ الْبَعْرُ وَالرَّوْثُ وَالْأَخْبَاثُ لَا تُنَجِّسُهَا مَا لَمْ يَأْخُذْ وَجْهَ رُبُعِ الْمَاءِ أَوْ ثُلُثِهِ، وَقِيلَ: أَنْ لَا يَخْلُوَ دَلْوٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ أَقْرَبُ إلَى الطِّيبِ وَالطَّهَارَةِ حِسًّا وَشَرْعًا مِنْ هَذَا، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّكُمْ نَجَّسْتُمْ الْأَدْهَانَ وَالْأَلْبَانَ وَالْخَلَّ وَالْمَائِعَاتِ بِأَسْرِهَا بِالْقَطْرَةِ مِنْ الْبَوْلِ وَالدَّمِ، وَعَفَوْتُمْ عَمَّا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ، وَعَمَّا دُونَ قَدْرِ الْكَفِّ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ.

وَقِسْتُمْ الْعَفْوَ عَنْ رُبُعِ الثَّوْبِ عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ وَوُجُوبِ حَلْقِ رُبُعِهِ فِي الْإِحْرَامِ، وَأَيْنَ مَسْحُ الرَّأْسِ عَنْ غُسْلِ النَّجَاسَةِ؟ وَلَمْ يَقِيسُوا الْمَاءَ وَالْمَائِعَ عَلَى الثَّوْبِ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>