للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْبَتَّةَ وَظُهُورُ عَيْنِهَا وَرَائِحَتِهَا فِي الثَّوْبِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ يَعْفُو عَنْ قَدْرِ ذِرَاعٍ فِي ذِرَاعٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ قَدْرِ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْعَفْوُ عَمَّا هُوَ دُونَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ مِمَّا لَا نِسْبَةَ لَهُ إلَيْهِ فِي الْمَاءِ وَالْمَائِعِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ بِوَجْهٍ بَلْ يُحِيلُهَا وَيُذْهِبُ عَيْنَهَا وَأَثَرَهَا أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ مَا فَرَّقَ الشَّرْعُ وَالْحِسُّ بَيْنَهُمَا، فَقِسْتُمْ الْمَنِيَّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ الشَّرْعُ وَالْحِسُّ بَيْنَهُمَا فَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ بَعْضِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ اسْتِوَائِهَا فِي الْإِسْكَارِ، فَجَعَلْتُمْ بَعْضَهَا نَجِسًا كَالْبَوْلِ وَبَعْضَهَا طَاهِرًا طَيِّبًا كَاللَّبَنِ وَالْمَاءِ، وَقُلْتُمْ: لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ مَاؤُهَا وَطِينُهَا، فَإِنْ نُزِحَ مِنْهَا دَلْوٌ فَتَرَشْرَشَ عَلَى حِيطَانِهَا تَنَجَّسَتْ حِيطَانُهَا، وَكُلَّمَا نُزِحَ مِنْهَا شَيْءٌ نَبَعَ مَكَانَهُ شَيْءٌ فَصَادَفَ مَاءً نَجِسًا وَطِينًا نَجِسًا، فَإِذَا وَجَبَ نَزْحُ أَرْبَعِينَ دَلْوًا مَثَلًا فَنُزِحَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ كَانَ الْمَنْزُوحُ وَالْبَاقِي كُلُّهُ نَجِسًا، وَالْحِيطَانُ الَّتِي أَصَابَهَا الْمَاءُ وَالطِّينُ الَّذِي فِي قَرَارِ الْبِئْرِ، حَتَّى إذَا نُزِحَ الدَّلْوُ الْأَرْبَعُونَ قَشْقَشَ النَّجَاسَةَ كُلَّهَا، فَطَهُرَ الطِّينُ وَالْمَاءُ وَحِيطَانُ الْبِئْرِ وَطَهُرَ نَفْسُهُ، فَمَا رُئِيَ أَكْرَمُ مِنْ هَذَا الدَّلْوِ وَلَا أَعْقَلُ وَلَا أَخْيَرُ.

فَصْلٌ

وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَاسُوا هَذِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى شَيْءٍ لَا يَدْرِي مَا هُوَ، ثُمَّ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَزَوَّجَ الْكِتَابِيَّةَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ جَازَ، وَقَاسُوهُ عَلَى جَوَازِ إسْمَاعِهَا إيَّاهُ، فَقَاسُوا أَبْعَدَ قِيَاسٍ، وَتَرَكُوا مَحْضَ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَهَا إلَى الْحَجِّ جَازَ، وَنَزَلَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعُرْفِ، فَكَيْفَ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَوْرِدُ الْعَقْدِ الْإِجَارَةَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا؟ ثُمَّ نَاقَضْتُمْ أَبْيَنَ مُنَاقَضَةٍ فَقُلْتُمْ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَبْدَهَا الْآبِقَ مِنْ مَكَانِ كَذَا وَكَذَا صَحَّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْهُ؟ فَالْغَرَرُ الَّذِي فِي هَذَا الْأَمْرِ أَعْظَمُ مِنْ الْغَرَرِ الَّذِي فِي حَمْلِهَا إلَى الْحَجِّ بِكَثِيرٍ، وَقُلْتُمْ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا الْقُرْآنَ أَوْ بَعْضَهُ صَحَّ.

وَقَدْ تَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَقَدْ لَا تَقْبَلُهُ، وَقَدْ يُطَاوِعُهَا لِسَانُهَا وَقَدْ يَأْبَى عَلَيْهَا، وَقُلْتُمْ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ مَعَ اخْتِلَافِهِ لِامْتِنَاعِ مَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ لِقُرْبِهِ وَإِنْ اتَّفَقَ مَنْ يُسَاوِيهَا فِي النَّسَبِ فَنَادِرٌ جِدًّا مَنْ يُسَاوِيهَا فِي الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي يَقِلُّ الْمَهْرُ بِسَبَبِهَا وَيَكْثُرُ فَالْجَهَالَةُ الَّتِي فِي حَجِّهِ بِهَا دُونَ هَذَا بِكَثِيرٍ، وَقُلْتُمْ: لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ صَحَّ وَلَهَا الْوَسَطُ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي الْوَسَطِ مِنْ التَّفَاوُتِ مَا فِيهِ، وَقُلْتُمْ: لَوْ تَزَوَّجَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>