للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ]

وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ آثَارٌ مَرْفُوعَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ.

فَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الثَّابِتَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقِيَاسِ الْعَادِلِ؛ فَإِذَا طَاوَعَتْهُ الْجَارِيَةُ فَقَدْ أَفْسَدَهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا فَإِنَّهَا مَعَ الْمُطَاوَعَةِ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا إذْ تَصِيرُ زَانِيَةً، وَلَا تُمَكِّنُ سَيِّدَتَهَا مِنْ اسْتِخْدَامِهَا حَقَّ الْخِدْمَةِ، لِغَيْرَتِهَا مِنْهَا وَطَمَعِهَا فِي السَّيِّدِ، وَاسْتِشْرَافِ السَّيِّدِ إلَيْهَا، وَتَتَشَامَخُ عَلَى سَيِّدَتِهَا فَلَا تُطِيعُهَا كَمَا كَانَتْ تُطِيعُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْجَانِي إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِمَا يَنْقُصُ قِيمَتَهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ، فَقَضَى الشَّارِعُ لِسَيِّدَتِهَا بِالْمِثْلِ، وَمَلَكَهُ الْجَارِيَةَ؛ إذْ لَا يَجْمَعُ لَهَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، وَأَيْضًا فَلَوْ رَضِيَتْ سَيِّدَتُهَا أَنْ تَبْقَى الْجَارِيَةُ عَلَى مِلْكِهَا وَتُغَرِّمُهُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا كَانَ لَهَا ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ تَرْضَ وَعَلِمَتْ أَنَّ الْأَمَةَ قَدْ فَسَدَتْ عَلَيْهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ بِخِدْمَتِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَحْسَنِ الْقَضَاءِ أَنْ يَغْرَمَ السَّيِّدُ مِثْلَهَا وَيَمْلِكُهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَاطْرُدُوا هَذَا الْقِيَاسَ وَقُولُوا: إنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ قَوْمٍ حَتَّى أَفْسَدَهَا عَلَيْهِمْ أَنَّ لَهُمْ الْقِيمَةَ أَوْ يُطَالِبُوهُ بِبَدَلِهَا.

قِيلَ: نَعَمْ هَذَا مُوجَبُ الْقِيَاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ انْقَطَعَ الْإِلْحَاقُ؛ فَإِنَّ الْإِفْسَادَ الَّذِي فِي وَطْءِ الزَّوْجِ بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ الْإِفْسَادِ الَّذِي فِي وَطْءِ الْأَجْنَبِيِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَجَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ جَوَابٌ مُرَكَّبٌ؛ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ فَصْلٌ.

وَأَمَّا إذَا اسْتَكْرَهَهَا فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُثْلَةِ، فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْوَطْءِ مُثْلَةٌ؛ فَإِنَّ الْوَطْءَ يَجْرِي مَجْرَى الْجِنَايَةِ، وَلِهَذَا لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ، وَلَا يَجْرِي مَجْرَى مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ، فَهِيَ لَمَّا صَارَتْ لَهُ بِإِفْسَادِهَا عَلَى سَيِّدَتِهَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهَا كَمَا فِي الْمُطَاوَعَةِ، وَأَعْتَقَهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَثَّلَ بِهَا.

قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ اسْتَكْرَهَ عَبْدَهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَكْرَهَ أَمَةَ الْغَيْرِ عَلَى الْفَاحِشَةِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ، وَضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَمَةِ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا فَمُوجَبُ الْقِيَاسِ التَّسْوِيَةُ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٣٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>