للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي يُرِيدُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ، وَحَرَّمَ الشَّارِعُ عَلَى الشَّرِيكِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ أَذِنَ فِي الْبَيْعِ وَقَالَ: لَا غَرَضَ لِي فِيهِ - لَمْ يَكُنْ لَهُ الطَّلَبُ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ هَذَا مُقْتَضَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ بِوَجْهٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ إلَّا فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: إنَّمَا شُرِعَتْ الشُّفْعَةُ لِرَفْعِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِالشَّرِكَةِ؛ فَإِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَفْعُ ضَرَرِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ رَفْعِ ضَرَرِ الْآخَرِ؛ فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ كَانَ شَرِيكُهُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ إذْ فِي ذَلِكَ إزَالَةُ ضَرَرِهِ مَعَ عَدَمِ تَضَرُّرِ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ يَصِلُ إلَى حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَصِلُ هَذَا إلَى اسْتِبْدَادِهِ بِالْمَبِيعِ، فَيَزُولُ الضَّرَرُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالشَّجَرِ وَالْجَوَاهِرِ وَالدُّورِ الصِّغَارِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، قَالَ: قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَالْحَيَوَانُ دَابَّةٌ تَكُونُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ حِمَارٌ أَوْ مَا كَانَ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ، قَالَ: هَذَا كُلُّهُ أَوْكَدُ؛ لِأَنَّ خَلِيطَهُ الشَّرِيكُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ؛ فَإِذَا عَرَضَهُ عَلَى شَرِيكِهِ، وَإِلَّا بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَعْرِضُ عَلَى شَرِيكِهِ عَقَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ نَخْلًا، فَقَالَ الشَّرِيكُ: لَا أُرِيدُ، فَبَاعَهُ، ثُمَّ طَلَبَ الشُّفْعَةَ بَعْدُ، قَالَ: لَهُ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ.

وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الصَّحِيحِ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْقُولَ وَالْعَقَارَ، وَفِي كِتَابِ " الْخَرَاجِ " عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ لَهُ شِرْكٌ فِي نَخْلٍ أَوْ رَبْعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ، وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ» ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّرِيكُ شَفِيعٌ، وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامٍ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَفْظُهُ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْجَارِيَةِ وَالْخَادِمِ» ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُرْسَلًا؛ فَهَذَا عِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّ أَبَا حَمْزَةَ السُّكَّرِيَّ ثِقَةٌ احْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، وَإِنْ قُلْنَا: " الزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ " فَرَفْعُ الْحَدِيثِ إذًا صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا قَدْ عَضَّدَتْهُ الْآثَارُ الْمَرْفُوعَةُ وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>