للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ» وَرُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ، وَهُوَ غَرِيبٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الضَّرَرَ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَبْلَغُ مِنْ الضَّرَرِ بِالْعَقَارِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ؛ فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ مَرِيدًا لِرَفْعِ الضَّرَرِ الْأَدْنَى فَالْأَعْلَى أَوْلَى بِالرَّفْعِ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَتْ الْأَحَادِيثُ مُخْتَصَّةً بِالْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ الْمُنْقَسِمَةِ فَإِثْبَاتُ الشُّفْعَةِ فِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى ثُبُوتِهَا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ.

وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْأَصْلُ عَدَمُ انْتِزَاعِ الْإِنْسَانِ مَالَ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ، وَلَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ لِثُبُوتِ هَذَا النَّصِّ فِيهِ، وَأَمَّا الْآثَارُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِثُبُوتِهَا فِي الْمَنْقُولِ فَضَعِيفَةٌ مَعْلُولَةٌ؛ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِذَلِكَ، وَقَوْلُ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» يَقْتَضِي انْحِصَارُهَا فِي ذَلِكَ، قَالُوا: وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فَحْلٍ، وَالْأُرَفُ يَقْطَعُ كُلَّ شُفْعَةٍ، وَالْفَحْلُ: النَّخْلُ، وَالْأُرَفُ بِوَزْنِ الْغُرَفِ الْمَعَالِمُ وَالْحُدُودُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَصَحُّهُ مِنْ حَدِيثٍ، قَالُوا: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّرَرَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ يَتَأَبَّدُ بِتَأَبُّدِهِ، وَفِي الْمَنْقُولِ لَا يَتَأَبَّدُ؛ فَهُوَ ضَرَرٌ عَارِضٌ فَهُوَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. قَالُوا: وَالضَّرَرُ فِي الْعَقَارِ يَكْثُرُ جِدًّا؛ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ الشَّرِيكُ إلَى إحْدَاثِ الْمَرَافِقِ، وَتَغْيِيرِ الْأَبْنِيَةِ، وَتَضْيِيقِ الْوَاسِعِ، وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ، وَسُوءِ الْجِوَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْعَقَارِ، فَأَيْنَ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ فِي الْعَبْدِ وَالْجَوْهَرَةُ وَالسَّيْفُ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ؟ قَالَ الْمُثْبِتُونَ لِلشُّفْعَةِ: إنَّمَا كَانَ الْأَصْلُ عَدَمُ انْتِزَاعِ مِلْكِ الْإِنْسَانِ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الظُّلْمِ لَهُ وَالْإِضْرَارِ بِهِ، فَأَمَّا مَا لَا يَتَضَمَّنُ ظُلْمًا وَلَا إضْرَارًا بَلْ مَصْلَحَةً لَهُ بِإِعْطَائِهِ الثَّمَنَ فَلِشَرِيكِهِ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ عَنْهُ؛ فَلَيْسَ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، بَلْ هُوَ مُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تُوجِبُ الْمُعَاوَضَةَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْمَالِ، وَتَرْكُ مُعَاوَضَتِهِ هَا هُنَا لِشَرِيكِهِ مَعَ كَوْنِهِ قَاصِدًا لِلْبَيْعِ ظُلْمٌ مِنْهُ وَإِضْرَارٌ بِشَرِيكِهِ فَلَا يُمَكِّنُهُ الشَّارِعُ مِنْهُ، بَلْ مَنْ تَأَمَّلَ مَصَادِرَ الشَّرِيعَةِ وَمَوَارِدَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يُمَكِّنُ هَذَا الشَّرِيكَ مِنْ نَقْلِ نَصِيبِهِ إلَى غَيْرِ شَرِيكِهِ وَأَنْ يَلْحَقَ بِهِ مِنْ الضَّرَرِ مِثْلُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْآثَارُ فَقَدْ جَاءَتْ بِهَذَا وَهَذَا، وَلَوْ قَدَّرَ عَدَمَ صِحَّتِهَا بِالشُّفْعَةِ فِي الْمَنْقُولِ فَهِيَ لَمْ تَنْفِ ذَلِكَ، بَلْ نَبَّهَتْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ وَأَمَّا تَأَبُّدُ الضَّرَرِ وَعَدَمُهُ فَفَرْقٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ مِنْ الْمَنْقُولِ مَا يَكُونُ تَأَبُّدُهُ كَتَأَبُّدِ الْعَقَارِ كَالْجَوْهَرَةِ وَالسَّيْفِ وَالْكِتَابِ وَالْبِئْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّدْ ضَرَرُهُ مَدَى الدَّهْرِ فَقَدْ يَطُولُ ضَرَرُهُ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ، وَلَوْ بَقِيَ ضَرَرُهُ مُدَّةً فَإِنَّ الشَّارِعَ مُرِيدٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>