وَإِذَا كَانَ الْجَارُ يَخَافُ التَّأَذِّي بِالْمُجَاوَرَةِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ، كَانَ كَالشَّرِيكِ يَخَافُ التَّأَذِّي بِشَرِيكِهِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ.
قَالُوا: وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا الْمُسْتَأْجِرُ مَعَ الْمَالِكِ؛ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْإِجَارَةِ لَا تَتَأَبَّدُ عَادَةً.
وَأَيْضًا فَالْمِلْكُ بِالْإِجَارَةِ مِلْكُ مَنْفَعَةٍ، وَلَا لُزُومَ بَيْنَ مِلْكِ الْجَارِ وَبَيْنَ مَنْفَعَةِ دَارِ جَارِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا؛ فَإِنَّ الضَّرَرَ بِسَبَبِ اتِّصَالِ الْمِلْكِ بِالْمِلْكِ كَمَا أَنَّهُ فِي الشَّرِكَةِ حَاصِلٌ بِسَبَبِ اتِّصَالِ الْمِلْكِ بِالْمِلْكِ؛ فَوَجَبَ بِحُكْمِ عِنَايَةِ الشَّارِعِ وَرِعَايَتِهِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ إزَالَةُ الضَّرَرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ الْبَائِعَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هَهُنَا، فَيَبْعُدُ الْقَوْلُ بِهِ، فَهَذَا تَقْرِيرُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ نَصًّا وَقِيَاسًا.
[رَدُّ الْمُبْطِلِينَ لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ]
قَالَ الْمُبْطِلُونَ لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ: لَا تَضُرُّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «إنَّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ وَحُدَّتْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا» وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا صُرِفَتْ الطُّرُقُ وَوَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " إذَا صُرِفَتْ الْحُدُودُ وَعَرَفَ النَّاسُ حُدُودَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ بَيْنَهُمْ ".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فِي الْأَرْضِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْعَبَّاسِ.
قَالُوا: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بِالشَّرِكَةِ هُوَ مَا تُوجِبُهُ مِنْ التَّزَاحُمِ فِي الْمَرَافِقِ وَالْحُقُوقِ وَالْإِحْدَاثِ وَالتَّغْيِيرِ وَالْإِفْضَاءِ إلَى التَّقَاسُمِ الْمُوجِبِ لِنَقْصِ قِيمَةِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ.
قَالُوا: وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْجَارِ شَرْعًا وَقَدَرًا؛ فَفِي الشَّرِكَةِ حُقُوقٌ لَا تُوجَدُ فِي الْجِوَارِ؛ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الشَّرِكَةِ مُخْتَلِطٌ وَفِي الْجِوَارِ مُتَمَيِّزٌ، وَلِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute