سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا، فَقَالَ: قَدْ أَنْكَرَهُ شُعْبَةُ، فَقُلْت: لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْكَرَهُ؟ فَقَالَ: حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافَ مَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَنُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرٍ لَا يُنَاقِضُ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ، بَلْ مَفْهُومُهُ يُوَافِقُ مَنْطُوقَهُ، وَسَائِرُ أَحَادِيثِ جَابِرٍ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ قَالَا: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ لِلْجِوَارِ» وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ؛ فَهُوَ يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ الِاعْتِمَادُ.
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ سِمَاكَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ وَأَرَادَ بَيْعَهَا فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى جَارِهِ» وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ.
وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ لِلْجِوَارِ» رَوَاهُ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصُّرَيْفِينِيُّ: ثنا أَبُو أُمَامَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ثنا قَتَادَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ جَارٌ فِي حَائِطٍ أَوْ شَرِيكٌ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ» وَهَؤُلَاءِ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ، وَعِلَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - يَقُولُ: سُلَيْمَانُ الْيَشْكُرِيُّ: يُقَالُ إنَّهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَتَادَةُ وَلَا أَبُو بِشْرٍ، قَالَ: وَيُقَالُ: إنَّمَا يُحَدِّثُ قَتَادَةَ عَنْ صَحِيفَةِ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ، وَكَانَ لَهُ كِتَابٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
قُلْت: وَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ كِتَابًا، وَالْأَخْذُ عَنْ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ» .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّفِيعُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ، وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ الْجَنْبِ» وَإِسْنَادُهُ إلَى الشَّعْبِيِّ صَحِيحٌ، قَالُوا: وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَصِيلِ - وَهُوَ الْجَارُ - أَسْبَقُ مِنْ حَقِّ الدَّخِيلِ، وَكُلُّ مَعْنًى اقْتَضَى ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ فَمِثْلُهُ فِي حَقِّ الْجَارِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْجِوَارِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَيَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَيَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ مَا هُوَ مَعْهُودٌ، وَالضَّرَرُ بِذَلِكَ دَائِمٌ مُتَأَبِّدٌ، وَلَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاءِ الْجَارِ: إنْ شَاءَ أَقَرَّ الدَّخِيلَ عَلَى جِوَارِهِ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَزَعَ الْمِلْكَ بِثَمَنِهِ وَاسْتَرَاحَ مِنْ مُؤْنَةِ الْمُجَاوَرَةِ وَمَفْسَدَتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute