الْجِوَارَ قَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» أَخْرُجُهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي رَافِعٍ - يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ - وَقَالَ أَيْضًا: كِلَا الْحَدِيثَيْنِ عِنْدِي صَحِيحٌ.
وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جَارُ الدَّارِ أَوْلَى بِالدَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَغَايَةُ هَذَا أَنَّهُ كِتَابٌ، وَلَمْ تَزَلْ الْأُمَّةُ تَعْمَلُ بِالْكُتُبِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِالْكُتُبِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُمْ، وَلَيْسَ اعْتِمَادُ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ إلَّا عَلَى الْكُتُبِ فَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِمَا فِيهَا تَعَطَّلَتْ الشَّرِيعَةُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْتُبُ كُتُبَهُ إلَى الْآفَاقِ وَالنَّوَاحِي فَيَعْمَلُ بِهَا مَنْ تَصِلُ إلَيْهِ، وَلَا يَقُولُ: هَذَا كِتَابٌ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدُ، وَالنَّاسُ إلَى الْيَوْمِ، فَرَدُّ السُّنَنِ بِهَذَا الْخَيَالِ الْبَارِدِ الْفَاسِدِ مِنْ أَبْطَلْ الْبَاطِلِ، وَالْحِفْظُ يَخُونُ، وَالْكِتَابُ لَا يَخُونُ.
وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَكُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ.
وَرَوَى أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ مِيزَانِ الْكُوفَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يُنْتَظَرْ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَلَا يُرَدُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْهُ: لَوْ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ رَوَى حَدِيثًا آخَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الشُّفْعَةِ لَطَرَحْت حَدِيثَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ حَدِيثٌ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ ثِقَةٌ صَدُوقٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ هَذَا حَافِظٌ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَحَدٌ بِجَرْحٍ أَلْبَتَّةَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ أَئِمَّةُ زَمَانِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ،.
وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَلَا يَحْتَمِلُ مُخَالَفَةَ الْعَرْزَمِيِّ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، وَمِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ، فَخَالَفَهُمْ الْعَرْزَمِيُّ، وَلِهَذَا شَهِدَ الْأَئِمَّةُ بِإِنْكَارِ حَدِيثِهِ، وَلَمْ يُقَدِّمُوهُ عَلَى حَدِيثِ هَؤُلَاءِ، قَالَ مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute