للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ أُجُورُهَا عَلَى اللَّهِ لَيْسَ لَهَا دِيَاتٌ، فَتَتَابَعَ الْقَوْمُ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ، فَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «قَدْ رَأَيْت رَأْيًا وَرَأْيُنَا لِرَأْيِك تَبَعٌ» فَأَيُّ مُسْتَرَاحٍ فِي هَذَا لِفِرْقَةِ التَّقْلِيدِ؟ ،

[لَمْ يَكُنْ ابْنُ مَسْعُودٍ يُقَلِّدُ عُمَرَ]

الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْلُهُمْ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ، فَخِلَافُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِعُمَرَ أَشْهُرُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّفُ إيرَادُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يُوَافِقُهُ كَمَا يُوَافِقُ الْعَالِمُ الْعَالِمَ، وَحَتَّى لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ تَقْلِيدًا لِعُمَرَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ نَعُدُّهَا، وَكَانَ مِنْ عُمَّالِهِ وَكَانَ عُمَرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا مُخَالِفَتُهُ لَهُ فَفِي نَحْوِ مِائَةِ مَسْأَلَةٍ: مِنْهَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا، وَمِنْهَا: أَنَّهُ كَانَ يُطَبِّقُ فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ مَاتَ، وَعُمَرُ كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَام: هِيَ يَمِينٌ، وَعُمَرُ يَقُولُ: طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِنْهَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَرِّمُ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي أَبَدًا، وَعُمَرُ كَانَ يُتَوِّبُهُمَا وَيَنْكِحُ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ، وَمِنْهَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَرَى بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا، وَعُمَرُ يَقُولُ: لَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ، إلَى قَضَايَا كَثِيرَةٍ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا لَا يَرَوْنَ تَقْلِيدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا تَقْلِيدَ عُمَرَ، وَتَقْلِيدُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَحَبُّ إلَيْهِمْ وَآثَرُ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ كَيْفَ يُنْسَبُ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ تَقْلِيدُ الرِّجَالِ وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْت إلَيْهِ.

قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْت فِي حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فَمَا سَمِعْت أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَمَا مِنْ آيَةٍ إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْت إلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: كُنَّا حِينًا وَمَا نَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ.

وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: وَقَدْ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ بَعْدَهُ أَعْلَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْقَائِمِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَقَدْ كَانَ يَشْهَدُ إذَا مَا غِبْنَا، وَيُؤْذَنُ لَهُ إذَا مَا حُجِبْنَا.

وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ: إنِّي بَعَثْت إلَيْكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا وَعَبْدَ اللَّهِ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنْ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَخُذُوا عَنْهُمَا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا؛ فَإِنِّي آثَرْتُكُمْ بِعَبْدِ اللَّه عَلَى نَفْسِي، وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَفْتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فِي " أَلْبَتَّةَ " وَأَخَذَ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَقْلِيدًا لَهُ، بَلْ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ فِيهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الصَّوَابُ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ بِهِ الصَّحَابَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>