عِلْمَ لَهُ بِمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْعَامِ، وَأَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ إذَا كَانَتْ طَاعَتُهُمْ طَاعَةً لِرَسُولِهِ بِأَنْ يَكُونُوا مُتَّبِعِينَ لِأَمْرِهِ مُخْبِرِينَ بِهِ، وَأَقْسَمَ بِنَفْسِهِ سُبْحَانَهُ أَنَّا لَا نُؤْمِنُ حَتَّى نُحَكِّمَ الرَّسُولَ خَاصَّةً فِيمَا شَجَرَ بَيْنَنَا لَا نُحَكِّمَ غَيْرَهُ ثُمَّ لَا نَجِدَ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِمَّا حَكَمَ بِهِ كَمَا يَجِدُهُ الْمُقَلِّدُونَ إذَا جَاءَ حُكْمُهُ خِلَافَ قَوْلِ مَنْ قَلَّدُوهُ، وَأَنْ نُسَلِّمَ لِحُكْمِهِ تَسْلِيمًا، كَمَا يُسَلِّمُ الْمُقَلِّدُونَ لِأَقْوَالِ مَنْ قَلَّدُوهُ، بَلْ تَسْلِيمًا أَعْظَمَ مِنْ تَسْلِيمِهِمْ وَأَكْمَلَ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَذَمَّ مَنْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ الرَّسُولِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ ثَابِتٌ بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَلَوْ كَانَ حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَتَحَاكَمْنَا إلَى غَيْرِهِ لَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ؛ فَسُنَّتُهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لَمْ يَمُتْ، وَإِنْ فُقِدَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَّةِ شَخْصُهُ الْكَرِيمُ فَلَمْ يُفْقَدْ مِنْ بَيْنِنَا سُنَّتُهُ وَدَعْوَتُهُ وَهَدْيُهُ، وَالْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ بِحَمْدِ اللَّهِ مَكَانَهُمَا، مَنْ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حِفْظَ الذِّكْرِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ؛ فَلَا يَزَالُ مَحْفُوظًا بِحِفْظِ اللَّهِ مُحْمِيًا بِحِمَايَتِهِ لِتَقُومَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ؛ إذْ كَانَ نَبِيُّهُمْ آخِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ؛ فَكَانَ حِفْظُهُ لِدِينِهِ وَمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُغْنِيًا عَنْ رَسُولٍ آخَرَ بَعْدَ خَاتَمِ الرُّسُلِ، وَاَلَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَفَرَضَهُ عَلَى الصَّحَابَةِ مِنْ تَلَقِّي الْعِلْمِ وَالْهُدَى مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ دُونَ غَيْرِهِمَا هُوَ بِعَيْنِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ مُحْكَمٌ لَمْ يُنْسَخْ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ النَّسْخُ حَتَّى يَنْسَخَ اللَّهُ الْعَالِمَ أَوْ يَطْوِيَ الدُّنْيَا، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ إذَا دُعِيَ إلَى مَا أَنْزَلَهُ وَإِلَى رَسُولِهِ صَدَّ وَأَعْرَضَ، وَحَذَّرَهُ أَنْ تُصِيبَهُ مُصِيبَةٌ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَحَذَّرَ مَنْ خَالَفَ عَنْ أَمْرِهِ وَاتَّبَعَ غَيْرَهُ أَنْ تُصِيبَهُ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ فَالْفِتْنَةُ فِي قَلْبِهِ، وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ فِي بَدَنِهِ وَرُوحِهِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَمَنْ فُتِنَ فِي قَلْبِهِ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا جَاءَ بِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُ إلَى غَيْرِهِ أُصِيبَ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَلَا بُدَّ، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ إذَا قَضَى أَمْرًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَمْرِهِ غَيْرَ مَا قَضَاهُ، فَلَا خِيَرَةَ بَعْدَ قَضَائِهِ لِمُؤْمِنٍ أَلْبَتَّةَ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ الْمُقَلِّدِينَ: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَمْ لَا؟ ، [مَثَلٌ مِمَّا خَفِيَ عَلَى كِبَارِ الصَّحَابَةِ] : فَإِنْ قَالُوا: " لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ " أَنْزَلُوهُ فَوْقَ مَنْزِلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ؛ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا وَقَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ؛ فَهَذَا الصِّدِّيقُ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِهِ خَفِيَ عَلَيْهِ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ حَتَّى أَعْلَمَهُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَا دِيَةَ لَهُ حَتَّى أَعْلَمَهُ بِهِ عُمَرُ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ.
وَخَفِيَ عَلَى عُمَرَ تَيَمُّمُ الْجُنُبِ فَقَالَ: لَوْ بَقِيَ شَهْرًا لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْتَسِلَ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ دِيَةُ الْأَصَابِعِ فَقَضَى فِي الْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى أُخْبِرَ أَنَّ فِي كِتَابِ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute