للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُمَا حُجَّةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الَّذِي تَرْجَمْته بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ وَقَدْ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا نَسْخٌ، وَمِنْ هَهُنَا جَعَلُوا إيجَابَ التَّغْرِيبِ مَعَ الْجَلْدِ نَسْخًا كَمَا لَوْ زَادَ عِشْرِينَ صَوْتًا عَلَى الثَّمَانِينَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ وَرَدَتْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ النَّصِّ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ كَانَتْ نَاسِخَةً، وَإِنْ وَرَدَتْ مُتَّصِلَةً بِالنَّصِّ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ لَمْ تَكُنْ نَاسِخَةً، وَإِنْ وَرَدَتْ وَلَا يُعْلَمُ تَارِيخُهَا فَإِنْ وَرَدَتْ مِنْ جِهَةٍ يَثْبُتُ النَّصُّ بِمِثْلِهَا فَإِنْ شَهِدَتْ الْأُصُولُ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ أَوْ النَّظَرِ عَلَى ثُبُوتِهِمَا مَعًا أَثْبَتْنَاهُمَا، وَإِنْ شَهِدَتْ بِالنَّصِّ مُنْفَرِدًا عَنْهَا أَثْبَتْنَاهُ دُونَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُصُولِ دَلَالَةً عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِوُرُودِهِمَا مَعًا، وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأُصُولِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ وُرُودُ النَّصِّ مِنْ جِهَةٍ تُوجِبُ الْعِلْمَ كَالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ وَوُرُودُ الزِّيَادَةِ مِنْ جِهَةِ أَخْبَارِ الْآحَادِ لَمْ يَجُزْ إلْحَاقُهَا بِالنَّصِّ وَلَا الْعَمَلُ بِهَا.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ غَيَّرَتْ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ تَغْيِيرًا شَرْعِيًّا بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ فَعَلَ عَلَى حَدِّ مَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَدًّا بِهِ، بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ، كَانَ نَسْخًا، نَحْوُ ضَمِّ رَكْعَةٍ إلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَ عَلَى حَدِّ مَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَهَا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ لَمْ يَكُنْ نَسْخًا، وَلَمْ يَجْعَلُوا إيجَابَ التَّغْرِيبِ مَعَ الْجَلْدِ نَسْخًا، وَإِيجَابُ عِشْرِينَ جَلْدَةً مَعَ الثَّمَانِينَ نَسْخًا، وَكَذَلِكَ إيجَابُ شَرْطٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ نَسْخًا كَإِيجَابِ الْوُضُوءِ بَعْدَ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ إيجَابَ زِيَادَةِ عِبَادَةٍ عَلَى عِبَادَةٍ كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ إيجَابِ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ نَسْخًا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَيْضًا أَنَّ إيجَابَ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا يَكُونُ نَسْخًا.

فَالْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي الزِّيَادَةِ الْمُغَيِّرَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْمَعْنَى، وَالِاسْمِ، وَالْحُكْمِ، أَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَعْنَى النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ الْإِزَالَةُ، وَالزِّيَادَةُ تُزِيلُ حُكْمَ الِاعْتِدَادِ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَتُوجِبُ اسْتِئْنَافَهُ بِدُونِهَا، وَتُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ جَمِيعَ الْوَاجِبِ، وَتَجْعَلُهُ بَعْضُهُ، وَتُوجِبُ التَّأْثِيمَ عَلَى الْمُقْتَصِرِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ إثْمًا، وَهَذَا مَعْنَى النَّسْخِ، وَعَلَيْهِ تَرَتُّبُ الِاسْمِ، فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلْمَعْنَى؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي زِيَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ مُغَيِّرَةٍ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَرَاخٍ عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَلَّ وَصْفٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لَمْ يَكُنْ نَسْخًا، فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ رَفَعَتْ حُكْمَ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَمْ تَكُنْ نَسْخًا كَإِيجَابِ عِبَادَةٍ بَعْدَ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُقَارِنَةً لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ نَسْخًا، وَإِنْ غَيَّرَتْهُ، بَلْ تَكُونُ تَقْيِيدًا أَوْ تَخْصِيصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>