للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ النَّصُّ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قُبِلَتْ الزِّيَادَةُ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَلِمْنَا أَنَّهُ وَرَدَ مُقَارِنًا لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ تَخْصِيصًا لَا نَسْخًا، قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً مَعَهُ لَنَقَلَهَا إلَيْنَا مَنْ نَقَلَ النَّصَّ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إثْبَاتَ النَّصِّ مَعْقُودًا بِالزِّيَادَةِ فَيَقْتَصِرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إبْلَاغِ النَّصِّ مُنْفَرِدًا عَنْهَا؛ فَوَاجِبٌ إذًا أَنْ يَذْكُرَهَا مَعَهُ، وَلَوْ ذَكَرَهَا لَنَقَلَهَا إلَيْنَا مَنْ نَقَلَ النَّصَّ.

فَإِنْ كَانَ النَّصُّ مَذْكُورًا فِي الْقُرْآنِ وَالزِّيَادَةُ وَارِدَةٌ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقْتَصِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تِلَاوَةِ الْحُكْمِ الْمُنَزَّلِ فِي الْقُرْآنِ دُونَ أَنْ يُعْقِبَهَا بِذِكْرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْفَرَاغِ مِنْ النَّصِّ الَّذِي يُمَكِّنُنَا اسْتِعْمَالُهُ بِنَفْسِهِ يَلْزَمُنَا اعْتِقَادُ مُقْتَضَاهُ مِنْ حُكْمِهِ، كَقَوْلِهِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ هُوَ الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَتْلُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَةَ عَلَى النَّاسِ عَارِيَّةً مِنْ ذِكْرِ النَّفْيِ عَقِبَهَا؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذِكْرِ الزِّيَادَةِ مَعَهَا يَلْزَمُنَا اعْتِقَادُ مُوجِبِهَا وَأَنَّ الْجَلْدَ هُوَ كَمَالُ الْحَدِّ؛ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ تَغْرِيبٌ لَكَانَ بَعْضُ الْحَدِّ لَا كَمَالُهُ، فَإِذَا أَخْلَى التِّلَاوَةَ مِنْ ذِكْرِ النَّفْيِ عَقِيبَهَا فَقَدْ أَرَادَ مِنَّا اعْتِقَادَ أَنَّ الْجَلْدَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ تَمَامُ الْحَدِّ وَكَمَالُهُ؛ فَغَيْرُ جَائِزٍ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ مَعَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّسْخِ، وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» نَاسِخًا لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» وَكَذَلِكَ لَمَّا رَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] نَاسِخًا لِحُكْمِ التَّغْرِيبِ فِي قَوْلِهِ: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً مَعَ النَّصِّ لَذَكَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيبَ التِّلَاوَةِ، وَلَنَقَلَهَا إلَيْنَا مَنْ نَقَلَ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْحَدَّ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ وَيَنْقُلُوا بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ سَمِعُوا الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ الْأَمْرَيْنِ، فَامْتَنَعَ حِينَئِذٍ الْعَمَلُ بِالزِّيَادَةِ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وَرَدَ مِنْهَا الْأَصْلُ، فَإِذَا وَرَدَتْ مِنْ جِهَةِ الْآحَادِ فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ النَّصِّ فَقَدْ نَسَخَهَا النَّصُّ الْمُطْلَقُ عَارِيًّا مِنْ ذِكْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ فَهَذَا يُوجِبُ نَسْخَ الْآيَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ ثَابِتًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ نَسْخُهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ وَارِدَةً مَعَ النَّصِّ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ لَمْ تَكُنْ نَسْخًا وَكَانَتْ بَيَانًا.

فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْأَصْلَ الَّذِي أَصَّلْتُمُوهُ، فَإِنَّكُمْ قَبِلْتُمْ خَبَرَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُغَيِّرٌ لِحُكْمِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>