للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلُ، فَكَيْفَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ عَمَلُ مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ السِّنِينَ وَيُقَالُ: الْعَمَلُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ؟ وَمِنْ ذَلِكَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ مَعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ صَعِدَ، فَهَذَا الْعَمَلُ حَقٌّ، فَكَيْفَ يُقَالُ: الْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَيُقَدَّمُ الْعَمَلُ الَّذِي يُخَالِفُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟

وَمِنْ ذَلِكَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اقْتِدَائِهِمْ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَهَذَا كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ قُعُودًا أَوْ قِيَامًا، فَهَذَا عَمَلٌ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَالصِّحَّةِ، فَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ رِوَايَةُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَهُمَا كُوفِيَّانِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» ؟ وَهَذِهِ مِنْ أَسْقَطِ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَام حَجَّ جَمَعَ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ، فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ بِالطِّيبِ، وَقَالَ الْقَاسِمُ: أَخْبَرَتْنِي «عَائِشَةُ أَنَّهَا طَيَّبَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، إلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَجُلًا جَادًّا مُجِدًّا، كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ثُمَّ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيُفِيضُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ، قَالَ سَالِمٌ: صَدَقَ، ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ

، فَهَذَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفُتْيَاهُمْ، فَأَيُّ عَمَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ يُخَالِفُهُ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ عَلَيْهِ؟ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ قَاسِمِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَامَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا وَكَذَا. فَهَذَا وَاَللَّهِ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ خَالَفَهُ، وَاَلَّذِي مَنْ جَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَقَدْ اسْتَوْثَقَ.

فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، أَيُّ عَمَلٍ بَعْدَ هَذَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ؟ وَهَلْ يَكُونُ عَمَلٌ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إجْمَاعٌ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا وَأَصَحُّ مِنْهُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>