للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةٌ، فَأَرْجِعْهَا إنْ شِئْتَ، قَالَ: فَرَاجَعَهَا» . فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى إنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ، وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْإِسْنَادَ وَحَسَّنَهُ فَقَالَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى ابْنِ أَبِي الْعَاصِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ» : هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، أَوْ قَالَ: وَاهٍ لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيِّ، وَالْعَزْرَمِيُّ لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ» وَإِسْنَادُهُ عِنْدَهُ هُوَ إسْنَادُ حَدِيثِ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ. هَذَا وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ، فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ؛ فَهُوَ حُجَّةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، فَكَيْفَ إذَا عَضَّدَهُ مَا هُوَ نَظِيرُهُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ؟ وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ أُمَّ رُكَانَةَ، وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: مَا يُغْنِي عَنِّي إلَّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشَّعْرَةُ لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسِهَا، فَفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأَخَذَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمِيَّةٌ فَدَعَا بِرُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لِجُلَسَائِهِ: أَتَرَوْنَ فُلَانًا يُشْبِهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ عَبْدِ يَزِيدَ وَفُلَانًا مِنْهُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ يَزِيدَ: طَلِّقْهَا فَفَعَلَ، فَقَالَ: رَاجِعْ امْرَأَتَك أُمَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ، فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: قَدْ عَلِمْت، رَاجِعْهَا، وَتَلَا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] » .

وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثُ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَرَدَّهَا إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَصَحُّ، لِأَنَّهُمْ وَلَدُ الرَّجُلِ وَأَهْلُهُ وَأَعْلَمُ بِهِ، «وَأَنَّ رُكَانَةَ إنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، فَجَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً» .

قَالَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَبُو دَاوُد لَمَّا لَمْ يَرْوِ فِي سُنَنِهِ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ - يَعْنِي الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا - فَقَالَ: حَدِيثُ أَلْبَتَّةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ الْأَئِمَّةُ الْأَكَابِرُ الْعَارِفُونَ بِعِلَلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَالْبُخَارِيِّ ضَعَّفُوا حَدِيثَ أَلْبَتَّةَ، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ رِوَايَةُ قَوْمٍ مَجَاهِيلَ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُمْ وَضَبْطُهُمْ، وَأَحْمَدُ أَثْبَتَ حَدِيثَ الثَّلَاثِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَقَالَ: حَدِيثُ رُكَانَةَ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: حَدِيثُ رُكَانَةَ فِي الْبَتَّةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ يَرْوِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الثَّلَاثَ أَلْبَتَّةَ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَحْمَدَ: حَدِيثُ رُكَانَةَ فِي الْبَتَّةِ، فَضَعَّفَهُ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>