للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَلِفُ بِالْحَرَامِ لَهُ صِيغَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالثَّانِيَةُ: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا، فَمَنْ قَالَ فِي " الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي " إنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةَ وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ فَفِي قَوْلِهِ " الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي " أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ كِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا فَهَكَذَا يَقُولُ فِي " الْحَرَامِ يَلْزَمُنِي " إنْ نَوَى بِهِ التَّحْرِيمَ كَانَ كَمَا لَوْ نَوَى بِالطَّلَاقِ التَّطْلِيقَ، فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يُحَرِّمَ كَمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ؛ فَهَذَا الْتِزَامٌ لِلتَّحْرِيمِ وَذَلِكَ الْتِزَامٌ لِلتَّطْلِيقِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ يَلْزَمُنِي تَحْرِيمُهُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا تَحْرِيمًا وَلَا طَلَاقًا وَلَا ظِهَارًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ لَفْظٍ لَمْ يُوضَعْ لِلطَّلَاقِ وَلَا نَوَاهُ، وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينِ حُرْمَةٍ لِشِدَّةِ الْيَمِينِ؛ إذْ لَيْسَتْ كَالْحَلِفِ بِالْمَخْلُوقِ الَّتِي لَا تَنْعَقِدُ وَلَا هِيَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ وَهِيَ يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ فَفِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَصَحَّ عَنْهُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ «الْحَرَامُ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا» ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.

وَهَكَذَا حُكْمُ قَوْلِهِ: " إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَهَذَا أَوْلَى بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ مِنْ قَوْلِهِ: " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ". وَفِي قَوْلِهِ: " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " أَوْ: " مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ " أَوْ: " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ " مَذَاهِبُ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَغْوٌ وَبَاطِلٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ مَسْرُوقٌ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَجَمِيعُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ اخْتَارَهُ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ «سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» ، وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أُبَالِي أَحَرَّمْت امْرَأَتِي أَوْ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ، وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ: لَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ نَعْلِي.

وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: مَا أُبَالِي أَحَرَّمْت امْرَأَتِي أَوْ حَرَّمْت مَاءَ النَّهْرِ.

وَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: إنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ حَرَامًا، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ حُمَيْدٍ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: ٧] {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٨] وَأَنْتَ رَجُلٌ تَلْعَبُ فَاذْهَبْ فَالْعَبْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>